الفهم عن الله : مقدمة 3

ما الفهم عن الله؟
يكتب مؤلفون كثيرون عن العقل العربي سواء عرضا لأزمته، أو إشكاليته، أو نقدا لأسس فكره، أو عرضا للفكر الاعتزالي وهلم جرا، والسيل لا يتوقف، والنشيد واحد والسيمفونية نغمة لا تتجدد، فالعقل المعتبر هو هو منذ أرسطو إلى يومنا هذا تمجيد لعلاقة العقل بنظام الطبيعة رغم بعض الاختلافات الطبيعية بين رؤى بعض الفلاسفة.

ويأتي القرآن لتصحيح المفاهيم وتبيين عثرات العقل وقيمه السببية؛ ليلهم الصواب والرشاد ضمن رؤية ربانية وحدوية التصور في تكاملها لينفصل العقل المسلم لربه عن تفكير غيره عند اختلاف التصورات واهتزاز مرايا العقول أمام الأمور التي تلتبس على العقل عند اندهاشه لكشف المخبوء لدى الإخطبوط، أو لفهم مجريات أمور لدى السحرة والكهان والمشعوذين، ولا يستقل العقل البشري في اتخاذ قراراته دون الرجوع للفكر الخرافي والدمى المسحورة والعروس التي تلقى في البحر وهلم جرا لطلاسم ظلمانية…

القرآن جاء ليأخذ بتلابيب العقل البشري ويرشده لمراعاة الأسباب المؤثرة في الوجود حقيقة، دون ما انتشر في عقول الناس من أسباب دأب الناس اعتمادها لفهم ما يجري بواقعهم:

يقص علينا القرآن سوء فهم الناس لمجريات الأسباب والمسببات:

{إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌۭ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌۭ يَفْرَحُوا۟ بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْـًٔا ۗ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌۭ [120]} آل عمران

لم يقتصر القرآن على تنبيهنا إلى هفوات الفهم لدى غير المسلم بل أرشدنا إلى سبيل تجاوز تخبطه، بالتزام الصبر والتقوى كما أكد لنا ذلك في بيان أخر:

{لَتُبْلَوُنَّ فِىٓ أَمْوَٰلِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُوٓا۟ أَذًۭى كَثِيرًۭا ۚ وَإِن تَصْبِرُوا۟ وَتَتَّقُوا۟ فَإِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلْأُمُورِ [186]} آل عمران

إنه الإرشاد للكينونة من الهمم العالية من أولي الألباب. إرشاد يحثه عزم ويسدد خطاه بعد النظر الذي يأخذ بتلابيب العقل المسدد بالوحي بفكره الشمولي.

أما من لفته براثين غبش الفهم: فهم على وتر الشؤم والاستبشار راقصون، وما هي ببشرى ولا شؤم؛ وإنما هو سوء فهم وإدراك لمجريات سنن الله في كونه وقرآنه.

والطبيعة الفكرية للفكر الانتقامي تأبى إلا التلون بلون الفرح والحزن، إظهارا لمشاعر العداء، وحب التشفي، أو على العكس التلبس بملابس الشؤم والحزن لما طفا من خير في مكيال أعدائه…

ويعرض القرآن في مقابلة تصورية لمؤمنين لم يتغلغل الإيمان في أحشائهم لينقلهم للتوكل على الله في كل أمورهم فتبقى الفلسفة سبيلهم، والجدل سلاحهم، وللتحليل العقلي سلم أمرهم ونهيهم.

{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ ٱلْمُؤْمِنِينَ مَقَٰعِدَ لِلْقِتَالِ ۗ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [121] إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَٱللَّهُ وَلِيُّهُمَا ۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ [122] وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ بِبَدْرٍۢ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌۭ ۖ فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [123]} آل عمران

كيف يفشل المؤمنون وهم يدركون بأن ما النصر إلا من عند الله يؤيد به من يشاء من عباده على وفق مجريات سننه القرآنية والكونية؟ أم كيف يترددون في الموقف وقد نصروا في بدر وهم أدلة قليلي العدد والعدة؟ أم كيف يسيئون الظن بالله وهو يتعهد :

{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمْرِهِۦ ۚ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍۢ قَدْرًۭا[3]} الطلاق

ومن يتوكل على الله فهو كافيه، والعهد من الله لا ينخرم:

{وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِۦ مِنَ ٱللَّهِ ۚ[111]} التوبة.

هكذا ينقلنا القرآن الكريم من سقطة منطقنا، وسوء فهمنا، وتدبير فكرنا، إلى نقلة نوعية نحو سبيل الرشاد حيث الفهم الشمولي لسنن الله وكيفية تأثيرها؛ ليخرجنا من ظلمات الجهل إلى نور الاعتزاز بالله وبالتوجيه الرباني، لنخلص بالتالي بأن الفهم عن الله فقه في سننه القرآنية لما يجري في سننه الكونية.

فهل أدرك العقلانيون في أي غلس فكر هم يتقلبون؟ ومن أي منطلق يأخذنا القرآن لباب العزة بالله والتكريم الرباني؟، وبعد هذا فهل لهم أن يكتبوا عن أزمة العقل، وعن إشكالياته، وعن نقد العقل العربي ونقد النقد؟

اقرأ كذلك

أقصر طريق للفوز بين يدي الله

تنبثق سبيل الله القرآنية من توجيهات نيرات تربوية ربانية للدلالة على أقصر طريق الفوز والتي …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

8 + 7 =