هل أصوله الفقه في حاجة إلى مراجعة ؟
20 أبريل، 2013
السنن الإلهية والدراسات الفقهية والأصولية
63 مشاهدات
لم يعد خافيا عن العوام ما يصطلي به الفقهاء من نار الاختلاف ؛ إذ جاءت فتوى الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله لتوقظ النائم وتهز الغافل سواء كانا من العلماء أو العوام .
ولله الحمد فللعامة ثقة بعلمائها؛ إذ برغم ما جاءت به الفتوى يوصف بالشذوذ الفكري لدى العامة ، فإن غالبية الناس سلموا للشيخ أهلية الفتوى ولم يتوقف فيها إلا القليل.
ولئن جاء تضارب فتاوى العلماء ليزيد الطين بلّة والأمر غموضا عند العوام، فقد جاءت فتوى الشيخ القرضاوي لتكون فرصة نادرة لدى العلماء لمراجعة الأصول المعتمدة والضوابط المتبعة ليقفز الفقه قفزة نوعية ترفعه عما التصق به من نقائص دخلت علينا من علم الكلام، فشانت وجهته، وشابت جوهره، وسدت باب الفتوحات الكبرى في وجهه.
فالضوابط المعتمدة من لدن الفقهاء قد تعتريها الشيخوخة وقد تبدي ثغرات وبخاصة إن أشرقت شمس الحقيقة تجلي ما اندس عن أنظارها لقرون متطاولة. لقد عرف أصول الفقه تطورا منذ نشأته ، واستقر لقرون على ما هو عليه من دراسات القواعد الأصولية اللغوية ومصادر التشريع والأحكام،إضافة إلى ما عرف من قواعد أصولية وفقهية، فضلا عما فجره الإمام الشاطبي من دراسات مقاصدية، وما تفرع عنها من فقه الأولويات وفقه الموازنات وعلم التعارض والترجيح. وشكلت هذه الذخيرة في مجموعها عمدة الأصولي في إنزال الحكم على الحادث.
ونود في هذه العجالة الإشارة ولو من بعد بعيد إلى كون الشريعة ربانية المصدر، وعلم المنطق الذي منهج العلوم لم يدرك لهذه الخاصية مبنى ولا معنى ، كما أن القرآن لم يحظ بالعناية اللازمة لتسطير المنطلقات الصحيحة للفقه.فكيف قبل الفقهاء إدماج القواعد وهي مساطر أغلبية غير شاملة في قانون الله الموصوف بالكمال المطلق والشمول؟
نعم لكم سعى فقهاء أمثال المقري وابن غازي لاستلهام الأمور الكلية للفقه، وكانت بادرة جليلة تعين على استيعاب الفروع وتمهد الطريق لمن يروم التوسع واستكناه أسرار التشريع، ومهما قيل عنـها فما من كلية إلا سيق معها مستثنيات وهو ما يرجع بنا إلى القول على أنها أغلبية كسائر القواعد الأصولية والفقهية.
وكتب الفقه باختلاف مدارسها اتحدت في أبوابها واختلفت في اجتهاداتها ولو أننا نثرنا ما بها من أدلة قرآنية لوجدنا أنها لا تتجاوز الخمس مائة آية، ونتساءل ماذا يعني اعتمادنا لخمس مائة آية دون الألوف المتبقية ،ومنها مجالات فقهية في كتاب الله لم يلمسها لامس.
أليس لباس الخزي هي الحال الذي سلطها الله على الأمة في هذا الزمان ، أترى الله ظلم العباد، أم هم الذين استحقوا العذاب جزاء وفاقا ؟ وليس من معول عليه بعد الله، إلا على جهد الفقهاء لإنقاذ الأمة من ورطتها، وانتشالها من براثين أنياب الفتنة الطاحنة.
والقرآن الكريم في تسع آيات ما تحدث عن الكتاب إلا وربطه بالحكمة، وكان الأجدر بنا أن نقف مع مراد الله لهذه الخاصية وبخاصة أن الله عز وجل ألح عليها إلحاحا فقد قال عز من قائل :
{يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (البقرة:269)
والحكمة لا تستمد إلا من الحكيم العليم سبحانه وتعالى ؛ إذ كل أفعاله عين الحكمة، وهي كلية متكاملة لا تشوبها شائبة، فضلا عن وعوده سبحانه وتعالى فهي كلمات تامات لا يتسرب إليها الريب، ولا تعيقها عوائق، ولا يقطعها قاطع، ولا تتبدل ولا تتغير.
تلك إذا، هي دعامتنا الكلية لاستخلاص الفهم السديد وبيان العثرات، بل هي الضوابط لكل العلوم والمعارف إذ لا شيء يخرج عما سنه الله في هذا الكون. وسنته لن تجد لها تبديلا ولا تغييرا
فهل تمتد السواعد لاستخراج الفقه الشرعي بضوابط منهاجية ثابتة الجذور راسخة الأقدام، أم تخور الهمم ونستصعب الإقدام ونبقى في حيص بيص من أمر ديننا تتوزعنا الشكوك ويأخذنا الريب، ونتقول على الله بضوابط نسبت لدين الله وما هي منه.
وباتخاذنا السنن الإلهية مقياسا وضابطا نسلط أضواءها على فتوى شيخنا لنلمس عن كثب أكان شيخنا مصيبا أم أن الاجتهاد جنح به بعيدا عن الصواب ؟
ولنري – سواء من ناصره أو عانده- إنما كانت مناصرة تحزب لفقه لا يرقى للاستدلال العلمي، كما أن من عانده ما كان عناده إلا بناء على رؤية شذت عن ضوابط الفقه القائم…
وإذ أختم هذه الديباجة أراني أدافع كتمان ما تحشرج في العنق كظما لنبش ما وصل إليه أمر الاجتهاد الفقهي وما سالت من دماء طاهرة اعتمدت فتاوى فقهية شملت نارها كل البقاع.
وتأتي هذه المساهمة بخطى محتشمة وئيدة كأنها تستحث الهمم المتطلعة إلى تدارك الموقف ولمواكبة الصيحات المتعالية في الآفاق والمشرئبة لغد الإسلام، بعد أن نام الفقه نومته لقرون متطاولة.
وما توفيقي إلا بالله، إن الله كان عليما خبيرا.وهو سبحانه الكفيل بجمع شمل السواعد،ورأب الصدع القلوب وتأليفها وكفى به عزيزا حكيما.