رواية مستور الحال لدى المحدثين

تعريف مستور الحال لدى المحدثين:
يقول الإمام النووي : ” رواية مجهول العدالة ظاهراً وباطناً لا تقبل عند الجماهير. ورواية المستور وهو عدل الظاهر خفي الباطن يحتج بها بعض من رد الأول وهو قول بعض الشافعيين. قال الشيخ: يشبه أن يكون العمل على هذا في كثير من كتب الحديث في جماعة من الرواة تقادم العهد بهم وتعذرت خبرتهم باطناً، وأما مجهول العين فقد لا يقبله بعض من يقبل مجهول العدالة، ثم من روى عنه عدلان عيناه ارتفعت جهالة عينه، قال الخطيب: المجهول عند أهل الحديث من لم يعرفه العلماء، ولا يعرفه حديثه إلا من جهة واحدة، وأقل ما يرفع الجهالة رواية اثنين مشهورين، ونقل ابن عبد البر عن أهل الحديث نحوه. قال الشيخ رداً على الخطيب: قد روى البخاري عن مرداس الأسلمي، ومسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي ولم يرو عنهما غير واحد،” (الكتاب : التقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير في أصول الحديث المؤلف : ابن شرف النووي)

مناقشة الجمهور لمخالفتهم لسنة الله في المستور:

تكلم الإمام النووي رحمه الله عن ضابط المحدثين في رواية الراوي الذي جهل المحدثون عينه وحاله، أما جهالة العين فتزول برواية اثنين من العدول عنه.

وهذا الذي ذهب إليه جمهور المحدثين أراه مخالفا لسنة الله في إخراج ما يبطنه المبطنون وهذا عهوده سبحانه وتعالى والتي لا تتخلف ولا تتبدل ولا تتغير:

{وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة : 72]

وعهده عز وجل أيضا:

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ} [محمد : 29]

وبناء على العهود الربانية أقول: ما ذهب إليه المجتهدون من المحدثين هو قبولهم رواية المستور الذي روى عنه اثنان فما فوق، ولم تعرف له عدالة ولا حرج تقبل بشرط عدم مخالفته لمن هو أوثق منه.

أقول:

هذا الحكم فيه ما فيه من التحكم، لما لم نلتفت للعهود الربانية، فمستور الحال الذي لم يذكر فيه جرح ولا تعديل فهو مقبول الرواية، لكون الله لم يكشف له سترا عن جرح، فمن مفهوم العهود الربانية نستنتج بأن مستور الحال مقبول الرواية، ما لم يثبت عنه مخالفة الثقات، فإن ثبتت مخالفته للثقات هذا يعني انكشاف لحال ضبطه والأخذ به واجب.

وهذا الذي ذهبت إليه خالفه الألباني بقوله: ” (( فقد يقال : فهل علمت فيه توثيقاً ؟ فإن عدم الجرح لا يستلزم التوثيق كما لا يخفى ، فالأحسن فى الإفصاح عن حاله قول ابن القطان : لا يعرف حــاله . ))” : (السلسلة الضعيفة (2/321).

وهو في نظري معذور لما غابت عنه سنة الله في المسألة.

وهذه أمثلة سار على هديها المحدثون:

المثال الأول : حيث خالف مستور الحال غيره من الثقات

راجع : “غاية المرام ” (28) للشيخ الألباني ـ حفظه الله تعالى .
ومن ذلك : أخرج في ” السنن ” (1/40) :
حديث : ابن أبي مسرة ، عن يحيى بن محمد الجاري ، عن زكريا ابن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمر ـ مرفوعاً ـ : ” من شرب في إناء من ذهب أو فضة ، أو إناء فيه شيء من ذلك ، فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم ” .
ثم قال :
” إسناده حسن ” .
وقول الدارقطني هذا ، لا يمكن حمله على ” الحسن ” الاصطلاحي ؛ وإنما هذا بمعنى الغريب أو المنكر ، على نحو ما يُعرف عن المتقدمين .
وذلك لأمور :

الأول : أن يحيى الجاري هذا ؛ لا يرقى حديثه إلى رتبة الحسن ، بل هو إلى الضعيف أقرب . ( وانظر : ” السلسلة الصحيحة ” للشيخ الألباني (2/343) ).
قال البخاري : ” يتكلمون فيه ” .
وأدخله ابن حبان في ” الثقات ” ، وقال ” يُغْرب ” .
ثم أدخله في ” المجروحين ” ، وقال : ” كان ممن ينفرد بأشياء لا يتابع عليها ، على قلة روايته ، كأنه كان يَهِم كثيراً ؛ فمن هنا وقع المناكير في روايته ، يجب التنكُّبُ عما انفرد من الروايات ، وإن احتج به محتج فيما وافق الثقات ، لم أر بذلك بأساً ” .
ووثقه العجلي ، وقال ابن عدي : ” ليس بحديثه بأس ” ؛

الثاني : أن زكريا بن إبراهيم بن عبد الله بن مطيع ، مجهول الحال ، وكذا أبوه. (” فتح الباري ” لابن حجر (10101) ، و ” الجوهر النقي ” (1/29))؛

الثالث : أن زيادة ” أو إناء فيه شيء من ذلك ” ، زيادة منكرة في هذا الحديث ، وقد صرح بذلك ، الإمام الذهبي ، حيث أدخل الحديث في ترجمة يحيى الجاري من ” الميزان ” ، ثم قال :
” هذا حديث منكر ، أخرجه الدارقطني ، وزكريا ليس بالمشهور ” .
وجزم شيخ الإسلام ابن تيمية بضعف هذه الزيادة ، فقال : ” إسناده ضعيف ” . (” مجموع الفتاوى ” (21/85)) .
وإنما هذه الزيادة تصح عن ابن عمر ، من فعله هو ، وقد بين ذلك الحافظ البيهقي في ” السنن الكبرى : و ” الخلافيات ” . وأشار إليه الحاكم في ” معرفة علوم الحديث ” ( ” الكبرى ” (1/29) ، و” الخلافيات ” (1/274-278) و ” المعرفة ” (ص 131) ).

خلاصة :

وإذا تعين هذا الخلل من جهة حفظ مستور الحال انكشف جرح ضبطه، ولا يعول على الحديث لكونه روي فقط من هذا الإسناد بهذه الزيادة

اقرأ كذلك

تأصيل مـسـألــة عــرض السنة على الـكـتــاب

عرض الحديث على السنن القرآنية ليفيد العلم، أو يكشف ما به من علل متسربة، هو …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

four × four =