التوسل‏

التوسل في اللغة:


قال الجوهري في الصحاح مادة وسل ج:1841/5

الوسيلة : “ما يتقرب به إلى الغير، والجمع: الوسيلة والوسائل، والتوسيل والتوسل واحد، يقال وسل فلان إلى ربه وسيلة وتوسل عليه بوسيلة اي تقرب إليه بعمل” أه.

وترد الوسيلة بمعنى المنزلة كما في الحديث الصحيح المشهور [ سلوا الله لي الوسيلة ] الحديث.

الوسيلة اصطلاحا:

وكون الوسيلة هي القربى لا خلاف بين المفسرين في ذلك كما صرح به ابن كثير في تفسيره97/3 وقال الوسيلةهي ما يتوصل به إلى تحصيل المطلوب.

وعقب محمود سعيد عن قول بعض المحرفين :(رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة)

إن التوسل هو اتخاذ واسطة بين العبد وربه خطأ وجهل، فالتوسل ليس من هذا الباب قطعا.

فالمتوسل لم يدع إلا الله وحده، فالله وحده هو المعطي و….، ولكن المتوسل اتخذ قربة رجاء قبول دعاءه، والقربة في الدعاء مشروعة بالاتفاق.



التوسل في القرآن العظيم:




-1-




1- {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً }

قال الألوسي رحمه الله:

{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ } وعرضوها للبوار بالنفاق والتحاكم إلى الطاغوت { جَاءوكَ } على إثر ظلمهم بلا ريث متوسلين بك تائبين عن جنايتهم غير جامعين ـ حشفاً وسوء كيلة ـ باعتذارهم الباطل وأيمانهم الفاجرة { فَٱسْتَغْفَرُواْ ٱللَّهَ } لذنوبهم ونزعوا عما هم عليه وندموا على ما فعلوا. { وَٱسْتَغْفَرَ لَهُمُ ٱلرَّسُولُ } وسأل الله تعالى أن يقبل توبتهم ويغفر ذنوبهم، وفي التعبير ـ باستغفر ـ الخ دون استغفرت تفخيم لشأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث عدل عن خطابه إلى ما هو من عظيم صفاته على طريق حكم الأمير بكذا مكان حكمت، وتعظيم لاستغفاره عليه الصلاة والسلام حيث أسنده إلى لفظ منبىء عن علو مرتبته { لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } أي لعلموه قابلاً لتوبتهم متفضلاً عليهم بالتجاوز عما سلف من ذنوبهم، ومن فسر ـ الوجدان ـ بالمصادفة كان الوصف الأول: حال والثاني: بدلاً منه أو حالا من الضمير فيه أو مثله، وفي وضع الاسم الجامع موضع الضمير إيذان بفخامة القبول والرحمة.

وحكى القرطبي في تفسيره جامع الأحكام: عند قوله تعالىٰ:

{ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ جَآءُوكَ } روى أبو صادق عن عليّ قال: قدِم علينا أعرابيّ بعدما دفّنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام، فرمى بنفسه على قبر رسول صلى الله عليه وسلم، وحَثَا على رأسه من ترابه؛ فقال: قلتَ يا رسول الله فسمعنا قولك، وَوَعَيْتَ عن الله فوعينا عنك، وكان فيما أنزل الله عليك { وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ } الآية، وقد ظلمتُ نفسي وجئتك تستغفر لي. فنودي من القبر أنه قد غفر لك. ومعنى { لَوَجَدُواْ ٱللَّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً } أي قابلا لتوبتهم، وهما مفعولان لا غير.



-2-




{وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا –عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }

قال القرطبي في تفسير الآية:

قوله تعالى: { وَلَمَّا جَآءَهُمْ } يعني اليهود. { كِتَابٌ } يعني القرآن. { مِنْ عِنْدِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ } نعت لكتاب؛ ويجوز في غير القرآن نصبه على الحال؛ وكذلك هو في مصحف أُبَيَّ بالنصب فيما رُوِيَ. { لِّمَا مَعَهُمْ } يعني التوراة والإنجيل يخبرهم بما فيهما. { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ } أي يستنصرون. والاستفتاح الاستنصار. استفتحت: ٱستنصرت. وفي الحديث: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يستفتح بصعاليك المهاجرين؛ أي يستنصر بدعائهم وصلاتهم. ومنه { فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ }. والنصر: فتح شيء مغلق؛ فهو يرجع إلى قولهم فتحت الباب. وروى النسائي عن أبي سعيد الخدري أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ” إنما نصر الله هذه الأمة بضعفائها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم ” وروى النسائي أيضاً عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” أَبْغُونِي الضعيف فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ” قال ٱبن عباس: كانت يهود خَيْبر تقاتل غَطَفان فلما التقوا هزمت يهود، فعادت يهود بهذا الدعاء وقالوا: إنا نسألك بحق النبيّ الأُميّ الذي وعدتنا أن تخرجه لنا في آخر الزمان إلا تنصرنا عليهم. قال: فكانوا إذا التقوا دعوا بهذا الدعاء فهزموا غطفان؛ فلما بُعث النبيّ صلى الله عليه وسلم كفروا؛ فأنزل الله تعالى: { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } أي بك يا محمد، إلى قوله: { فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ }.

لم ينكر القرآن الكريم فعلتهم، بل لامهم على عدم الإيمان به بعد مجيئه وهم الذين استنصروا به قبل مجيئه.

ونستفيد من هذين الآيتين ان التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم اعتمدته اليهود قبل مجيئه صلى الله عليه وسلم، وقام به الصحب الكرام في حياته وبعد وفاته..




-3-





{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة35

يقول الألوسي في تفسيرها:

وتحقيق الكلام في هذا المقام أن الاستغاثة بمخلوق وجعله وسيلة بمعنى طلب الدعاء منه لا شك في جوازه إن كان المطلوب منه حياً ولا يتوقف على أفضليته من الطالب بل قد يطلب الفاضل من المفضول ، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله تعالى عنه لما استأذنه في العمرة :” لا تنسنا يا أخي من دعائك ” وأمره أيضاً أن يطلب من أويس القرني رحمة الله تعالى عليه أن يستغفر له ، وأمر أمته صلى الله عليه وسلم بطلب الوسيلة له كما مر آنفاً وبأن يصلوا عليه ، وأما إذا كان المطلوب منه ميتاً أو غائباً فلا يستريب عالم أنه غير جائز وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من السلف ، نعم السلام على أهل القبور مشروع ومخاطبتهم جائزة؛…

وأما القسم على الله تعالى بأحد من خلقه مثل أن يقال : اللهم إني أقسم عليك أو أسألك بفلان إلا ما قضيت لي حاجتي ، فعن ابن عبد السلام جواز ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سيد ولد آدم ، ولا يجوز أن يقسم على الله تعالى بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته ، وقد نقل ذلك عنه المناوي في «شرحه الكبير للجامع الصغير» ، ودليله في ذلك ما رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح عن عثمان بن حنيف رضي الله تعالى عنه أن رجلاً ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ادع الله تعالى أن يعافيني فقال : إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك ، قال : فادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويدعو بهذا الدعاء” اللهم إني أسألك وأتوجه بنبيك صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا رسول الله إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي لي اللهم فشفعه في ” ، ونقل عن أحمد مثل ذلك . ومن الناس من منع التوسل بالذات والقسم على الله تعالى بأحد من خلقه مطلقاً وهو الذي يرشح به كلام المجد ابن تيمية؛ ونقله عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وأبي يوسف وغيرهما من العلماء الأعلام ، وأجاب عن الحديث بأنه على حذف مضاف أي بدعاء أو شفاعة نبيك صلى الله عليه وسلم ، ففيه جعل الدعاء وسيلة وهو جائز بل مندوب ، والدليل على هذا التقدير قوله في آخر الحديث : «اللهم فشفعه في» بل في أوله أيضاً ما يدل على ذلك .


وقد شنع التاج السبكي كما هو عادته على المجد ، فقال : ويحسن التوسل والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه ولم ينكر ذلك أحد من السلف والخلف حتى جاء ابن تيمية فأنكر ذلك وعدل عن الصراط المستقيم وابتدع ما لم يقله عالم وصار بين الأنام مثلة انتهى .

وأنت تعلم أن الأدعية المأثورة عن أهل البيت الطاهرين وغيرهم من الأئمة ليس فيها التوسل بالذات المكرمة صلى الله عليه وسلم ، ولو فرضنا وجود ما ظاهره ذلك فمؤل بتقدير مضاف كما سمعت؛ أو نحو ذلك كما تسمع إن شاء الله تعالى ومن ادعى النص فعليه البيان .

وما ذكر من قياس غيره من الأرواح المقدسة عليه صلى الله عليه وسلم مع التفاوت في الكرامة الذي لا ينكره إلا منافق مما لا يكاد يسلم ، على أنك قد علمت أن الإقسام به عليه الصلاة والسلام على ربه عز شأنه حياً وميتاً مما لم يقم النص عليه لا يقال : إن في خبر البخاري دلالة على صحة الإقسام به صلى الله عليه وسلم حياً وكذا بغيره كذلك ، أما الأول فلقول عمر رضي الله تعالى عنه فيه : كنا نتوسل بنبيك صلى الله عليه وسلم ، وأما الثاني فلقوله : إنا نتوسل بعم نبيك لما قيل : إن هذا التوسل ليس من باب الإقسام بل هو من جنس الاستشفاع ، وهو أن يطلب من الشخص الدعاء والشفاعة ، ويطلب من الله تعالى أن يقبل دعاءه وشفاعته ، ويؤيد ذلك أن العباس كان يدعو وهم يؤمّنون لدعائه حتى سقوا ، وقد ذكر المجد أن لفظ التوسل بالشخص والتوجه إليه وبه فيه إجمال واشتراك بحسب الاصطلاح ، فمعناه في لغة الصحابة أن يطلب منه الدعاء والشفاعة فيكون التوسل والتوجه في الحقيقة بدعائه وشفاعته ، وذلك مما لا محذور فيه ، وأما في لغة كثير من الناس فمعناه أن يسأل الله تعالى بذلك ويقسم به عليه وهذا هو محل النزاع وقد علمت الكلام فيه .

اقرأ كذلك

أزمة منهاح في الفتوى‏

كلما عرضت على الأمة مشكلة فقهية تصدى لها فقهاء بما أخذه الله عليهم من عهد …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

thirteen − 7 =