وجدنا الفقهاء يستدلون بنصوص حديثية على ضرورة رؤية الهلال – بالعين المجردة – ويذودون عنها بما أوتوا من قوة جدل علمية، مستميتين، بأن لكل بلد رؤيته، ناسين أو متغافلين نصوصا قرآنية وحديثية تقر الأخذ بالحساب اليقيني.مما يذكي نار الخلاف بين المسلمين، فهل يرضى عنا الله ورسوله والحالة هذه ؟
وفي استماتتهم تشبث بفتوى يعض الصحب الكرام رضي الله عنهم، فضلا عن التابعين وتابعيهم بإحسان،وتلك أمة قد خلت واجتهدت لزمانها ومكانها والفتوى تتغير وفق تغير الزمان والمكان والأشخاص والنيات.والأحوال فهل لنا أن نعض على فتواهم بالنواجذ وزماننا غير زمانهم ووسائلنا غير وسائلهم ؟ وبخاصة قد أضحى السفر إلى القمر والأجواء الفضائية العليا من الرغبات الملحة لدى المترفين، وتبين حسابات ولادة الهلال عند الغربيين بأن هناك فرقا من دقيقة ودقيقتين على أبعد حد بينما تضحي ولادة الهلال عند المسلمين. تمتد إلى ثلاثة أيام
مع السنن الإلهية وإذا ما سلطنا نور السنن الإلهية على الموضوع وجدنا الحق جل جلاله قد اعتمد الحساب في تكوين الكون: لقوله سبحانه{ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } الأنعام: 96
{ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ } الرحمن: 5
{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} البقرة: من الآية 185
: فلفظة ” شهد ” تأتي بمعنى المشاهدة العينية وبمعنى الرؤية اليقينية بدليل قوله تعالى
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } آل عمران:18
فشهادة أهل العلم هناك تتجلى في علمهم اليقيني، إذ الرؤية البصرية ممنوعة قطعا بدليل قوله عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
( تَعَلَّمُوا أَنَّه لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ ) أخرجه البخاري كتاب الجنائز ومسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة
وكما يوحي بذلك قول إخوة يوسف{ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ } يوسف: من الية 81
وما ذهبنا إليه في تعريف لفظ ” شهد ” يشهد له تعريف الأصفهاني حيث يقول : ” والشهادة: قول صادر عن علم حصل بمشاهدة بصيرة أو بصر.” (ألفاظ القرآن).
وإذا ثبت هذا وتبينت حقائقه هاك المزيد من الأدلة القرآنية التي تنزع الخلاف من يد فقهاء لا علاقة لهم بكتاب الله ولا بسنن الله التي أرسى عليها الوجود وفي هذا يقول الله جل علاه :
سورة يونس
{ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) }
سورة يس
{ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) }
ذاك تقدير العزيز العليم لنعلم حساب المنازل والسنين ؛ فهل بقي بعد هذا البيان من جدال ؟ يا دعاة الرؤية القمرية بالعين المجردة ؟؟؟
أما الأحاديث النبوية أسوق منها
حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا الأسود بن قيس حدثنا سعيد بن عمرو أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين
(رواه البخاري في كتاب الصوم باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لانكتب ولانحسب)
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ ، عَنْ شُعْبَةَ . ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، وَابْنُ بَشَّارٍ ، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَدِّثُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : ” إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ، وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ ، وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ ثَلَاثِينَ ” ، وحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ سُفْيَانَ ، عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِلشَّهْرِ الثَّانِي ثَلَاثِينَ
(رواه مسلم في كتاب الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال والفطر لرؤيته)
وتضفي هذه الأدلة دلالة إضافية على اعتماد الحساب اليقيني، ومعلوم أن الحساب اليوم بات مؤكدا ؛ إذ لا نجد فرقا بين حسابات بريطانيا وفرنسا وأمريكا إلا بدقيقة أو دقيقتين على – أبعد حد- في تحديد زمن.ميلاد الهلال
ولا حجة لمحتج بالرؤية البصرية المجردة ؛ إذ كان ذلك حلا وسطا وسبيلا في تعذر معرفة الحساب، فضلا عن كون الأحاديث النبوية فيها أدلة وحث على اكتساب هذه العلوم بضوابطها حتى لا نبقى إلى الأبد أمة أمية لرفع فرض العين على الأمة ولتحقيق الغاية من قوله تعالى {ولتعلموا عدد السنين والحساب }
وهكذا جاءت سنن الله لتؤكد بأن الحساب هو أصل، عليه مدار الشمس والقمر.فكيف بنا نعرض عن الأصل ونذهب للحلول الجزئية والتي جاءت لظروف تعذر معها معرفة الحساب؟
{ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} الأنعام: 96
فهل نعرض عن الأصل لنتمسك بالحلول الظرفية لزمان صعب فيه معرفة حساب ولادة الهلال فكانت الرؤية وسيلة للتأكد ولإقامة الحجة على الناس ؟ وهل تأكد لدينا بأن لا شيء يخرج عن نطاق أفعال الله ؟ وهل:بان لنا مدلول قوله تعالى{ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } الأنعام: من الآية 38
هكذا تحسم السنن الإلهية موطن الخلاف قائلة بلسان حالها
{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا } النساء : 59
الأستاذ محمد جابري الموقع الرسمي