بين حرية التعبير ونشر الفتنة والإرجاف
9 مارس، 2013
مستجدات ظرفية
83 مشاهدات
نشرت جريدة الأهرام ليوم 2/8/2012 المقال التالي :
“حرية الفكر والتعبير: تدين الحكم بسجن متهم بنشر الفكر الشيعي في مصر
وسام عبد العليم
“أدانت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، الحكم الذي أصدرته محكمة جنح مستأنف كفر الزيات ضد محمد فهمي عصفور، بالحبس سنة مع الشغل وغرامة 100 ألف جنيه، وذلك بعد اتهامه بنشر الفكر الشيعي في مصر وسب السيدة عائشة.
ورفضت مؤسسة حرية الفكر والتعبير، في بيانها اليوم الخميس، هذه الأحكام واعتبرت ذلك تعديا على حرية التعبير، مؤكدة أن كل شخص حر في رأيه ومعتقداته ولا يصح لأي شخص آخر التدخل في معتقدات وأفكار الآخرين.
كما أشار البيان إلى أن القانون لا يصح استخدامه كوسيلة ردع لأصحاب الديانات المختلفة، تحت زعم إهانة أو إزدراء أي دين، فحرية الاعتقاد والفكر مكفولة للجميع بموجب جميع الاتفاقات والمواثيق الدولية ولا يمكن لأحد المساس بها.
يذكر أن أحداث الواقعة تعود إلى شهر يونيه من العام الماضي بعد تجمهر أهالي إحدى القرى بمحافظة الغربية أمام منزل المتهم وطرده من أحد المساجد بالقرية، وذلك بالتزامن مع تقدم 3 أشخاص من أهالي القرية من ضمنهم إمام المسجد ببلاغ يتهمونه فيه باعتناق المذهب الشيعي وسب السيدة عائشة وإثارة الفتنة بين أهالي القرية.
وقالت المؤسسة في بيانها إن الحادثة ليست الأولى، حيث إنه منذ بضعة أيام تقدم أحد المواطنين بمحافظة سوهاج ببلاغ ضد مدرس قبطي يتهمه فيه بالإساءة للدين الإسلامي في صفحته على “فيسبوك”، ما أدى إلى حبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات، وفي مايو الماضي تم الحكم على طالب قبطي بالثانوية العامة بالحبس 3 سنوات لاتهامه بالإساءة إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في صفحته على “فيسبوك”.”
وللحقيقة في زمان غياب البرلمان وعدم وضوح المرمى مما تسعى إليه وزارة الإعلام من تنظيم لتجاوزات الرأي الشخصي إلى نشر الفتنة واحتدام الصراع، وتفريخ الكمائن في كل مكان، كل هذا يترك بصامته على أرض الواقع، والسلحفاة يعجبها الغوض في الماء العاكر.
وما المقال السابق إلا تعبيرا صادقا عن لوعة وحرقة يظنها الظان أنها صادقة مع نفسها مخلصة لوطنها، ويرى الباحث أن للمقال خلفية تدفعه لإشعال الفتنة من كل جانب، فهو يثير حرية التدين، ويؤجج المقال بأمثلة سواء منها مع المسيحيين، أو مع الشيعة، ولم يعرض ولو بالإشارة للأمثلة العكسية، أو حتى لجوهر الأمر.
ولن تجد من ينكر حرية التدين، فهناك فصول قانونية تؤذب من يمنع عبادة معترف بها من الديانات الثلاث؛ لكن المشكل مع أنصاف المثقفين، مثل دعاة الشيعة والمسيحية على السواء.
وليت الشيعة ودعاتها من علماء يتصدون للدعوة، كي يجد المرء أرضية لحرية النقاش العلمي، ليتبين لهم من خلال القرآن، أن التشيع نحلة مزعومة ما لها من أساس شرعي، فكيف يتسنى لهم الهجوم على ضعاف العقول، لينشروا فتنة طائفية أجارنا الله من شرها وشر ما فيها، والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، والفتنة أشد من القتل.
فهل على أمثال هؤلاء تتباكى ” حرية التعبير ” ومن وراء أكمتها ما وراءها ؟
وفي نفس الموضوع عمد أستاذ فلسفة إلى تلاميذته بتكذيب للقرآن لكونه يحكي خرافات : إذ كيف لعصى أن تشق البحر وتضرب طريقا يبسا في البحر؟.
فسمع به أحد الدعاة العلماء، وقصده يا فلان لما تثير مثل هذه التساؤلات مع أطفال هم في أمس الحاجة لنعلمهم اليقين على القرآن عوض التشكيك فيه. والذي هو من فعل الذين لا يوقنون.؟
– ألم تر إلى سؤال الحق جل جلاله لموسى عن عصاه؟ وكانت إجابته :
{قال هي عصاي أتوكا عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب اخرى [18] } طه
فها أنت ترى وصف سيدنا موسى عليه السلام للعصى وصفا حسيا،تجريديا، منطقيا، أليس كذلك؟
وأمره الحق جل جلاله بإلقائها أرضا:
{فالقاها فاذا هي حية تسعى [20] } طه
وما كان من موقف موسى عليه السلام والحالة هذه إلا أن فر :
{ان الق عصاك فلما راها تهتز كانها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى اقبل ولا تخف انك من الامنين [10]} النمل
وهنا نصل بأن العصى أبانت من نفسها ما لم يدركه موسى عنها ــ أي من وجود روح لها ــ حتى فزع هربا، فالعصى كانت نبتة قبل ذلك والنبتة لها روح بها تنمو وتحيا، والله الفعال لما يريد أمات العصى وبعث فيها الروح وأمر موسى بضرب البحر بالعصى فهل هي عصى مجردة ؟ :
{فاوحينا الى موسى ان اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم [63] } الشعراء
{ولقد اوحينا الى موسى ان اسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى [20]} طه
فالأمور تسير بأمر ربها، وموسى أمر بضرب البحر بالعصى فكان ما كان من أمر الله أن ضرب لهم طريقا يبسا في البحر، وليست الأعجوبة أن تسير الأمور بإذن ربها ؛ لكن العجب كل العجب يكمن في من يهديه عقله، ويرى العجب العجاب ويستميت على فكره وعناده حتى أدركه الغرق وهو الذي كان يرشد أصحابه بقوله :
{قال فرعون ما اريكم الا ما ارى وما اهديكم الا سبيل الرشاد[29]} غافر
فها أنت ترى ما كان سبيل الرشاد أن زج بهم في البحر للغرق.
ولما تبين للأستاذ الأمر شكر محاوره وقال عن أمثالكم نبحث للاستهداء.
نحن مع حرية التعبير وحرية العبادة، ولسنا مع من يقيم البلاغات ضد إخوانه في الوطن لمجرد مخالفة فكرية، فمن أثار الشبهات، وجب تنبيهه على يد جمع من المفكرين على ما ارتكب من خطأ، فإن أبى إلا الإصرار والعناد، وعدم خضوعه للحق الأبلج، حق لهم تأذيبه كفا لأذاه، وحصرا للفتنة في أضيق أفقها.
وللحقيقة ما كان شأنا فقهيا، أساسه الرأي والاجتهاد، لا سبيل للمحكمة الخوض في غماره، وإنما تؤسس مؤسسات خاصة لهذا الشأن لمجادلة بالحسنى والإقناع الفكري والله الهادي سواء السبيل.
فهل تعي ” حرية التعبير” بأن عملها كان تشنيعيا، هداما، وأنها أخطأت باب الصواب الذي تم بيانه بما تقتضيه عجالة المقال؟
{والله مخرج ما كنتم تكتمون [72] } البقرة