إن من أهله الله للحديث عنه وعرفه ما يمكن معرفته مما تقتضيه أوصاف العبودية لله ؛ إذ الإحاطة بالله علما أمر مستحيل,
ليستغرب ويستعجب من قوم طلبوا رؤية الله جهرة
، فما تركوا من الجهل شيئا ، فنظرتنا قصيرة وربنا كبير متعال وسع كرسيه السماوات والأرض وهو حكيم خبير يضع الشيء في محله وفي إبانه فكيف يستطيع رؤية ربه من قصر بصره عن رؤية بضع كيلومترات ؟ ومجال وسع سماء الدنيا فقط يتحدث عنه بالمائة والعشرين ألف سنة ضوئية ؛ لكنه الرؤوف الرحيم بعباده ، يعفو عن السيئات ويغفر ذنوب من أناب,
كما طالب آخرون تكليم الله لهم أو تأتيهم آية وهو خطاب غاب عن أصحابه سبل تلك المعالي وقد نبههم الكريم جل جلاله :
{ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) } البقرة
ويأتي تأكيده سبحانه وتعالى
{قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) } البقرة
تنبيها وتعليما وحثا لهم ولنا على البحث أين تم بيان ذلك ؟ ليجده الباحث الحثيث في سورة الشورى في الآية 51 حيث يقول جل وعلا
{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}
والملاحظ هنا أن التكليم الرباني لا يخص فئة من الفئات ولا طائفة من الطوائف وإنما هو عام لكل بشر فهل من يناجيك ويكلمك و” هو علي حكيم ” يختص برحمته من يشاء هو أحق بالإيمان بوجوده والتسليم لمقتضى أمره ونهيه الشرعيين، وما كان القول ليبدل لديه حتى يحترس المحترس من تلبيس إبليس عليه ؟ ومن علمه ذي الجلال والإكرام اسمه ” هو العلي الحكيم ” فقد تفضل عليه بإمداده بأسماء التكليم الرباني وهو لايخيب من رجاه، وهذا في حد ذاته اختصاص بفضل الله ورحمته وأي اختصاص هو، ويا ويح من تكلم عن سكوت الله رغم أنه لا يجد من المؤمنين إلا مؤكدا لتكليم الله ، رغم أن بعضهم يقولون بأن الله اختص موسى بالتكليم ثم ينتهي حديثهم,
وكذلك قول بعض من تحدثوا على هامش النصوص القرآنية ودلالاتها فقد أبانوا بأن الرد لله عند الاختلاف هو رد لكتابه والرد للرسول هو رد لسنته ، وكأننا يئسنا من تكليم الله لنا ومن مناجاة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كما يئس الجاحدون للحق من أصحاب القبور ؟
أقول هذا هو اسم تكليم الله لخلقه : ” هو العلي الحكيم ” فهل من معاند يجرب ربه ويناشده مناجاته ليدرك حياة ربه وقيوميته على الكون ومن فيه ؟
وهذا سبيل آخر وحجة أخرى ودليل قاطع وبرهان ساطع وشمس حقائق ربانية تفيض رحمة من رب رؤوف رحيم,
{وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (54)} الأنعام،
ولا مجال لجاحد الحق فيكفيه ظلما اعتراضه على ربه من غير وجه حق , ولله في خلقه شؤون ، فهو الفعال لما يريد ولا راد لحكمه ولا لقضائه ولا ينبغي للمرء أن يتقدم بين يدي الله والرسول , هدانا الله سواء السبيل
الأستاذ محمد جابري الموقع الرسمي