الرئيسية / دراسات في السنن الإلهية / السنن الإلهية والتشيع / مجادلة الشيعة في أصل مصطلح ” العصمة “. وبيان افترائها على شرع الله

مجادلة الشيعة في أصل مصطلح ” العصمة “. وبيان افترائها على شرع الله

ويذكر “المستشرق رونالدسن” في كتابه “عقيدة الشيعة” انّ فكرة عصمة الاَنبياء في الاِسلام مدينة في أصلها وأهميتها التي بلغتها بعدئذ، إلى تطور “علم الكلام” عند الشيعة وأنّهم أوّل من تطرق إلى بحث هذه العقيدة ووصف بها أئمتهم، ويحتمل أن تكون هذه الفكرة قد ظهرت في عصر الصادق، بينما لم يرد ذكر العصمة عند أهل السنة إلاّ في القرن الثالث للهجرة بعد أن كان الكليني قد صنّف كتابه “الكافي في أُصول الدين” (1) وأسهب في موضوع العصمة.

ويعلّل “رونالدسن” بأنّ الشيعة لكي يثبتوا دعوى الاَئمّة تجاه الخلفاء السنيّين أظهروا عقيدة عصمة الرسل بوصفهم أئمّة أو هداة.

ويتعقبه جعفر السبحاني بقوله: “إنّ هذا التحليل لا يبتنى على أساس رصين وإنّما هو من الاَوهام والاَساطير التي اخترعتها نفسية الرجل وعداوَه للاِسلام والمسلمين أوّلاً، والشيعة وأئمّتهم ثانياً، وسيوافيك بيان منشأ ظهور تلك الفكرة.”

ثم لا يلبث أن ينقل عن القرآن بأنه أول من تكلم عن العصمة في شأن الملائكة وينقل عن نهج البلاغة بأن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان المتكلم عن العصمة في حق آل البيت فتجده يقول:

عود على بدء

فلنرجع إلى دراسة وجود جذور عصمة النبي في كلام على (عليه السلام ) حيث إنّه يصف النبي في الخطبة القاصعة بقوله:
ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره ، (2) ودلالة هذه القمة العالية من هذه الخطبة على عصمة النبي في القول والعمل عن الخطأ والزلل واضحة ، فإنّ من رباه أعظم ملك من ملائكة الله سبحانه من لدن أن كان فطيماً ، إلى أُخريات حياته الشريفة، لا تنفك عن المصونية من الانحراف والخطأ ، كيف وهذا الملك يسلك به طريق المكارم، ويربيه على محاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره ، وليست المعصية إلاّ سلوك طريق المآثم ومساوىَ الاَخلاق، ومن يسلك الطريق الاَوّل يكون متجنباً عن سلوك الطريق الثاني.

إنّ الاِمام أمير الموَمنين لا يصف خصوص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالعصمة في هذه الخطبة ، بل يصف آل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله : (هم عيش العلم، وموت الجهل ، يخبرهم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا يخالفون الحق ، ولا يختلفون فيه ، هم دعائم الاِسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية ، لا عقل سماع ودعاية) ، (3) لاحظ هذا الكلام وأمعن النظر فيه هل ترى كلمة أوضح في الدلالة على مصونيتهم من الذنوب وعصمتهم عن الآثام من قوله : ( لا يخالفون الحق ، ولا يختلفون فيه ) أي لا يعدلون عن الحق، ولا يختلفون فيه ، قولاً وفعلاً كما يختلف غيرهم من الفرق، وأرباب المذاهب، فمنهم من له في المسألة قولان ، أو أكثر ، ومنهم من يقول قولاً ثم يرجع عنه ، ومنهم من يرى في أُصول الدين رأياً ثم ينفيه ويتركه .

إنّ الاِمام يصف آل النبي بقوله : (عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية) أي عرفوا الدين ، وعلموه ، معرفة من فهم الشيء وأتقنه، ووعوا الدين وحفظوه ، وحاطوه ليس كما يعقله غيرهم عن سماع ودعاية .

وعلى الجملة انّ قوله (عليه السلام ): ( لا يخالفون الحق)، دليل على العصمة عن المعصية وقوله : ( عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية) دليل على مصونيتهم عن الخطأ، وسلامتهم في فهم الدين ووعيه .

والاِمام لا يكتفي ببيان عصمة آل رسول الله بهذين الكلامين، بل يصف أحب عباد الله إليه بعبارات وجمل تساوق العصمة، وتعادلها، إذ يقول:

أعانه الله على نفسه ، فاستشعر الحزن، وتجلبب الخوف، فزهر مصباح الهدى في قلبه ، وأعدّ القرى ليومه النازل به ، فقرّب على نفسه البعيد، وهوّن الشديد، نظر فأبصر ، وذكر فاستكثر ، وارتوى من عذب فرات سهلت له موارده فشرب نهلاً ، وسلك سبيلاً جدداً ، قد خلع سرابيل الشهوات، وتخلّى من الهموم” (4)

هذا موقف الشيعة وعلاقتهم بالكلام عن العصمة وهم يفتخرون بأن لهم السبق بالكلام عن المصطلح؛ ويقولون بأن كلام أهل السنة عن العصمة تأخر كثيرا إلى عهد المتكلمين في القرن الثالث.

وبهذا تشهد الشيعة على نفسها بأن المصطلح من اختراعها حيث نسبت العصمة للنبي صلى الله عليه وسلم ومن هناك اجترته على أئمتها الإثنى عشر.

السنن الإلهية ترد أباطل الشيعة

ترى علمتنا السنن الإلهية بأنها مشعل نوراني وفرقان بين الحق والباطل لا تمر على لبس إلا وجاءت فيه بالحق وأحسن تفسيرا؛ فيا ترى ما قولها في عصمة المطلقة التي تنسبها الشيعة لأنبياء ومن ثم لأئمتها؟

يقول الحق سبحانه وتعالى في محكم تنزيله في بيان بأن كل امرئ خطاء وليست هناك عصمة مطلقة لأحد من المخلوقات.

{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ [61]} النحل

ومن تفسير ابن كثير أستعير بيان النص القرآني النحل{61} {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون}

يخبر تعالى عن حلمه بخلقه مع ظلمهم وأنه لو يؤاخذهم بما كسبوا ما ترك على ظهر الأرض من دابة أي لأهلك جميع دواب الأرض تبعا لإهلاك بني آدم ولكن الرب جل جلاله يحلم ويستر وينظر إلى أجل مسمى أي لا يعاجلهم بالعقوبة ; إذ لو فعل ذلك بهم لما أبقى أحدا }

{ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا [45]} فاطر
ثم قال تعالى : ” ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ” أي لو آخذهم بجميع ذنوبهم لأهلك جميع أهل السماوات والأرض وما يملكونه من دواب وأرزاق ..

ما جاء العهد الرباني في آيتين منفصلتين مؤكدتين إلا لبيان كذب وزعم هؤلاء المتطفلين على قوانين الله في كونه وقرآنه.

فما كان الله لينقض عهده ولا ليخلف وعده؛ ومن أوفى بعهده من الله وهو يقرر نفي العصمة المطلقة عن المخلوقين جميعا بمن فيهم من الأنبياء وقد خص بعض الأنبياء بالعصمة الجزئية فمنهم:

سيدنا نوح عليه السلام :

{ هود{ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ[36] ومن ثقته بوعد ربه انبرى في وجه قومه متحديا :

{واتل عليهم نبا نوح اذ قال لقومه يا قوم ان كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بايات الله فعلى الله توكلت فاجمعوا امركم وشركاءكم ثم لا يكن امركم عليكم غمة ثم اقضوا الي ولا تنظرون [71]} يونس

وفيما يخص رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم جاءه وعد ربه بالعصمة من الناس، وبالعصمة في التبليغ ثم بعهد الله لحفظ القرآن المبلغ من التحريف:

}يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [67] } المائدة.

وقوله تعالى:

{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ [44] لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ[45] ثُم لَقَطعْنا مِنْهُ الوَتِين[45]} الحاقة

إنها العصمة الجزئية، وما على الشيعة إلا أن تبحث عن كلام يصدقه العوام أما أن تكذب عن قانون الله فلا يمكنها من ذلك؟

فهل اتضح افتراء هذه النحلة على شرع الله واختلاق فكرها؟ ونهج البلاغة ليست له أدلة موثوقة بنسبته للإمام علي رضي الله عنه، ولا يوجد فيه مصطلح العصمة فأين تذهبون؟.

——————–
(1) عقيدة الشيعة: 328.
(2) نهج البلاغة الخطبة: 187، طبعة عبده .
(3) نهج البلاغة الخطبة 234 ، طبعة عبده .
(4)جعفر السبحاني عصمة الاَنبياء (ع) في القرآن الكريم ص: 16،و 17

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 + 2 =