هداية الخلق نهم الهمم العالية
27 أبريل، 2013
صفحات تربوية
258 مشاهدات
إن أكرم الناس عند الله المتقون وفيهم يقول الحق جل جلاله :
{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات: 13
بمعنى أن أكثر الناس كرامة عند الله المتقون ومعلوم أن الناس عند الله درجات ودركات ، فأهل النار دركات متفاوتة ، وأهل الجنة في درجات متفاوتة ، والمتقون كانوا في أعلى درجات الكرامة الربانية.
ولما كان الناس درجات ودركات متفاوتة علل الله جل وعلا سبب تفاوتهم كما يلي في قوله عز من قائل :
ومن هنا تشرئبُّ أعناق المتقين إلى الكينونة مع السابقين بالخيرات بإذن ربهم، فالتوفيق الرباني نعمة عظمى يلهم الله إليها أحبابه وأهل كرامته ، يقول الحق جل وعلا :
{] إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} النساء: من الآية35
نلاحظ أولا الأسماء الحسنى التي ختمت بها الآية :” الله عليم خبير ” وهي نفس الأسماء التي ختم بها الله آية التكريم في سورة الحجرات فماذا يعني هذا التلاقي؟
قد يقول قائل اسم الله ” العليم الخبير ” معناه : أن الله مطلع بعلم على ما في صدور العالمين خبير بأحوالهم وشؤونهم ، سواء لإدراك أحوال المتقين أو لإدراك من تصدوا لإصلاح ذات البين.
وإلى هنا لا غرابة في القول ، فما سر وجود هذه الأسماء هناك ؟
نعم لا غرابة في الأمر لمن أطلعه الله على سر وجود الأسماء الحسنى في القرآن الكريم وسر تركيبها.
فسرت الأسماء الحسنى ما انطوت عليه حكمة الآية الواردة فيها ، فيمكن الفهم بأنه تحذير رباني لمن ركبوا مركب الصلح بين الزوجين أن يدركوا أنه سبحانه وتعالى ” عليم خبير ” ، حتى لا يخفيا مكرا ولا يبديا كيدا ، بل يدخلا الأمر بذلة وانكسار بباب ” العزيز الحكيم ” ، ليغدق عليهما من عطائه ويجعلهما سببا في تماسك بيت الزوجية بعدما اعترته الآفة.
{لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الأنفال: 63
وهو فهم جيد ما دام لم يخرج عن نطاق مضمون النص لكن تبقى هناك أسرار لا يدركها إلا الخبير بها.
و نستكشف أن سر الاسم ” العليم الخبير ” هي من أسماء توفيق الله لعباده في أفعالهم ، وبخاصة في حفظ بيت الزوجية من الانهيار ، كما أن الاسم : ” العزيز الحكيم ” من أسماء التأليف بين قلوب الناس إن راموا سبيل سنن الله وانتهجوه منهجا ومسلكا ، كما ندرك أيضا أن اسم ” الله العليم الخبير ” هي مفتاح باب توفيق الله للكينونة مع أهل كرامته.
وبموجب هذا القول فإن من تضرع إلى الله بأسمائه ” الله العليم الخبير ” وفقه الله في أفعاله إن ارتضى سنن الله سبيلا ومنهجا ، ومن يوفق في أفعاله بإذن ربه تكن نتيجته مع السابقين بالخيرات بإذن ربهم ، الذين ميزهم بشرف حفظ كتابه العزيز ، فضلا عن تصرفه بإذن ربه.
فشتان بين من يستهويهم مكر الليل والنهار ، وحث العباد على الإذعان لأمرهم بمحاصرتهم عن اليمين وعن الشمال ، وبين من يقف بباب ربه يستمطر رحمته ويدعوه رهبا ورغبا لهداية العباد ، ويبكي إلى ربه بذلة وانكسار قلب ، لعل الله يكرمه بأعظم كرامة : أن يهدي الناس على يديه ثم مع هذه الضراعة يتخذ الأسباب المادية العلمية منها والأخلاقية ، ثم يمضي يقطف ثمار دعوته وجزاء ربه ، فيا له من فضل ويا له من تكريم ، إذ ما من عمل يقوم به المدعُو إلا جازاه الله جزاءه وأوفى الداعية جزاء مثله ، فليس الأمر على ما يقوم به العبد بل مناط الأمر على الحصول على عطاء الرب وعطاؤه جل وعلا عطاء كاملا غير منقوص،
{ قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} يونس:58
إنه التصرف بإذن الله ذلك غاية الداعية الذي يأتي البيوت من أبوابها : عبد يرتضيه ربه ، ويحركه في عباده ، فلا يقدم حركة ولا سكون إلا بإذن ربه ، فمن يقف في وجهه وقد جعل قبلته الله وولى وجهه نحوه ، فهل أدركنا سر نهيه جل وعلا في قوله تعالى :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِي[ الحجرات:1
فعدم التقدم بين يدي الله ورسوله ينتج عنه تقوى الله ، وتتولد عنه زكاة النفوس وطهارتها ويستفاد هذا من قوله عز من قائل :
{وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} النور: 21
فالحبل الرابط : ” الأسماء الحسنى” نسجت فهما رفيعا أفادته الآية الثانية ، وقارن هذا الموقف مع قول الخضر عليه السلام في قوله تعالى :
{ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} الكهف: 82
ثم عندها يدرك المرء لماذا اختار الله هذا الولي وجعله دليلا لنبيه موسى (عليهما السلام) ، إنها منّة الله ، أترى إكرامه وإنعامه ينحسر انحسارا في الجزاء الدنيوي ؟ كلا ! إن من وفقه للسبق بالخيرات في الدنيا يوفقه بفضله أيضا للذة النظر إلى وجهه الكريم وتلك أغلى المطالب عند العبيد : أعظم فضل في الدنيا ، وأعظم فضل في الآخرة ، وربك الأكرم يكرم من يشاء ويرفعه إلى درجة كرامته ويجعله أكرم خلقه عنده .
والكل فضل ومنّة من ذي الجلال والإكرام يكرم العبد وينسب له وهو رب حكيم عليم رفع العباد درجات وجعل أهل كرامته أصنافا نعددت أوصافهم : فمنهم المكرمين ، ومنهم المخلصين ، ومنهم المقربين ، ومنهم المطهرين ، ومنهم المصطفين الأخيار ، ومنهم السابقين بالخيرات بإذن ربهم ، ومنهم المتقين ، ومنهم المحسنين. (وكل هذه المواصفات جاءت باسم المفعول تكريما من رب حكيم عليم. وما من سبيل للعبد لتلك الرفعة إلا الذل والتذلل والدعاء بباب رب عزبز وهاب).
، ومنهم من يحشر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
فهل أدركنا لم وصف الله لنا الخضر عليه السلام بقوله عز وجل :
]فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً[ الكهف:65
ذلك ليستنهض همتنا ويدغدغ مشاعرنا فندعوه ليخصنا بنعمة الاصطفاء والاجتباء ، والله واسع عليم يختص برحمته من يشاء ، وهو ذو الفضل العظيم ، ربنا آتنا من عندك رحمة وعلمنا من لدنك علما ، إنك الله العليم الحكيم. ولا حول ولا قوة إلا بالله وكفى بالله على كل شيء قديرا ، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم تسليما.