مقومات التخطيط والدراسة من المنظور الرباني
9 مارس، 2013
وقفات مع العلوم السياسية و الإجتماعية
155 مشاهدات
التنظير تخطيط ودراسة واعية بكل مقومات الحياة، ونظرة استقرائية وعميقة للسنن القرآنية ولتجارب الزمان ولسنن التاريخ، من لدن رجل رباني، عالي الهمة، تضلع في العلوم الشرعية وانغمس في تربية روحية عميقة، وانفتح على كتاب العالم باحثا عن الحكمة -ضالة المؤمن- يستقيها من أي وعاء صدرت، خَبِر العلوم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والشؤون الإدارية وفنون تسييرها، واستعان بخبراء في كل فن.
ولما كانت أهمية التخطيط والتنظير تكمن في اختصار الجهد، والوقت، والتكاليف الباهظة، فضلا عن المحافظة عن الذات بالدراسات الوقائية، يأتي البحث كاشفا عن الحبل الرابط لتفاعلات عوامل الصراع أو الحلقة المفقودة في زماننا لدى علماء العلوم السياسية والاجتماعية والتاريخ و…
ما تاهت البشرية إلا لما طلبت الهدى خارج كتاب الله، فما ازدادت البشرية إلا حيرة وضلالا. وإذا صد المشركون عن فقه كتاب الله، فما يعتري المسلم وقد رأى غيره يجمع مختلف النظريات على اختلاف وجهاتها المتباينة، وينسبها للعلوم السياسية ؟
” قامت اليونسكو مند سنوات بتحقيق حول موضوع علم السياسة وطريقته، وجمعت النتائج التي توصلت إليها في كتاب يتصف بتنوع مفرط يكاد يكون مرعبا، ولا يحتوي أي فرع من فروع المعرفة، باستثناء علم الاجتماع، على هذا القدر من البلبلة ” (جان مينو : مدخل إلى علم السياسة ص 10. )
وهذه مادلين كرافيتز كتبت كتابها “مناهج العلوم الاجتماعية” والذي ضم 882 صفحة (طبعة مطبعة دالوز باريز سنة 1993) جمعت فيه كل النظريات البشرية باختلاف رؤاها واختلاف انتماءاتها وتطورها عبر العامل الزمني والتي صبت في العلوم الاجتماعية. – و أخص هذا الكتاب بالذكر لكونه توج من لدن أكاديمية علوم الحكمة والسياسة- أبرزت فيه تدرج الفكر البشري عبر التاريخ وحصدت تباين النتائج العلمية على كل مستوى وتناقضها بين مسارات العلوم فما توصل إليه هذا من وجهة نظريته الاجتماعية ينقضه ذاك من وجهة نظره النفسانية كما يختلف معهما الفيلسوف من زاويته… والكتاب يعتمد في الدراسات الأكاديمية.
وإذا انغمس الغربيون إلى أخمص أقدامهم في النظريات المتباينة للعلوم الإنسانية، فهل يسلك المسلم نفس المسلك، فيضحى ذنبا من أذناب الجاهلية، أم على العكس يأخذ كتاب ربه بقوة إيمان ويقين، ويستخرج درره فينقلب مشعل نور ينير الأرجاء، ويصبح متبوعا غير تابع ؟
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ [89] } النحل
من مشكاة القرآن نستمد التوجيهات الربانية ؛ لنضع قدم الصدق على الصراط المستقيم، ونمضي على نور من ربنا في هذه الظلمة الحالكة، ويأتي البحث ليفحص الموضوع ضمن مبحثين :
1- العوامل المؤثرة تأثيرا مباشرا، أو كيف انبنت الأسباب على مسبباتها ؟
2- العوامل المؤثرة تأثيرا غير مباشر في الأحداث والوقائع ؟.
العوامل المؤثرة تأثيرا مباشرا
مدخل : ترابط الأحداث من الشيء إلى نقيضه
فالمتتبع للسنن الإلهية في الكون يدرك كيف ينقلب الشيء إلى نقيضه، ومن هذا النقيض إلى أصله، وبالمثال يتضح المقال :
أنزل الله سبحانه وتعالى من السماء ماء طهورا، ولنا أن نتساءل عن حركة الماء في الكون : أولا كيف يتحول الماء من ماء عذب زلال إلى قطعة جليد ؟
ثانيا كيف تتحول تلك القطعة الجليدية إلى ماء ؟
ثالثا كيف يتبخر الماء ليعرج إلى السماء ؟
رابعا كيف ينقلب البخار مطرا ؟.
فالمتمعن في هذه الدورات يدرك أن الشيء يتحول من أصل إلى نقيض، ومن نقيض إلى أصل، ما كان الماء ليضحى قطعة جليد لولا عوامل البرودة المؤثرة فيه، وما كان له لينقلب بخارا لولا عوامل الحرارة المؤثرة فيه. وما كان ليعيد دورته ويتحول من بخار إلى مزن، لولا تأثير عوامل البرودة فيه، ويتسلسل أمر الماء في هذه الأدوار. وعلى هذا الاطراد تجري سنن الله في كونه.
فالتكامل بين الزوجين يأتي لاستمرارية الحياة : كيف تنقلب الصحة مرضا، والمرض صحة، والقوة ضعفا، والضعف قوة، وكيف يسخر الزوج لزوجه من أجل استمرارية الحياة. ولمزيد بيان وكشف عن ترابط الأحداث تأتي الصفحات التالية كاشفة عن سنن الله في الكون والقرآن وتلاحمهما، والله المستعان.
وتستخلص هذه التحولات من كون الله جل جلاله خلق من كل شيء زوجين :
{ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } الذاريات : 49.
وجعل لكل شيء قدرا،
{قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [3]} الطلاق
و كل شيء يأتي بقدر:
{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [21] } الحجر
{إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [49]} القمر
وجعل لكل شيء مقياسا يقدر مقداره
{وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [8]} الرعد
{وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ[19] } الحجر
وجعل لكل شيء سببا:
{إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا [84]} الكهف
وجعل الماء مصدر ا لحياة كل شيء:
{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ [30] } الأنبياء
وجعل لكل شيء قيمة ومكانة
{وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [2] } الفرقان
وأتقن صنع كل شيء
{صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ [88] النمل
{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ [7]} السجدة
وحدد لكل شيء أجلا يفنى بعده:
{لَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [88] } القصص
وقيد كل شيء تقييدا في اللوح المحفوظ:
{وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ [12] يس
وأحصى كمية كل شي:
{وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [28] } الجن
وكتب سبحانه وتعالى كل شيء كتابا
{وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا [79]} النبأ.
وجعل زمام كل شيء بيده لا شيء ينفك أو يفلت من قبضته
{فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [83]}يس
فسبحان من كان كل قوله فعلا مفعولا
]وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا [38] }الأحزاب
والمتمعن في هذه الضوابط الكلية يجدها أكمل أصناف وسائل التخطيط والدراسة. ترى كيف غابت هذه الضوابط عن المسلمين فلم يلتفتوا لها، ولم يقيموا لها وزنا ولم يحيطوا بها علما؟