معاريج الكتابة الأدبية
3 مارس، 2013
الكتابة الأدبية
384 مشاهدات
لا شك أن الكتابة الأدبية تستلزم أن يكون المرء :
1. ذا قلم أديب متضلع في اختصاصه، خبر مجال فنه ونافس أقرانه متمكنا من لغته أو لغات يجيدها كتابة ونطقا، يرسل الكلمات على نسق لوحة الفنان تدهش الرائي وتجذب لبه، وتسلب مشاعره، وتتفتق عندها المواهب، ويتفجر المكبوت في النفس لتبوح بأسرارها وتكشف عن مخزون إبداعها والمطمور من شاعريتها…؛
2. كما تراه سلك مسلكا روحيا، تنسم من عبقه عطر الأخلاق الرفيعة، تهذيبا لألفاظه، وتطهيرها مما يدنس مكانته بين الأقران، ليستروح منه القارئ روائح التواضع للحق، وجميل الذلة على المؤمنين، والعزة على الكافرين، فضلا عن تشذيب رعونة النفس الخبيثة، وما تخبؤه من حيّاة مكرها، وعقارب غدرها، ودنس إهانة غيرها.
تلك إشارة إلى الكتابة الأدبية، فأحرى الكلام عن النقد الأدبي، ولا يجرؤ على الكتابة في مجال من المجالات إلا متخصص أو مستشرف، ومن باب الاستشراف والاحتكاك بأهل التخصص، يرقى المرء إلى دنيا الأدب، وطبعا على ظهر أمها تلعب الخرفان، ولا زالت الدرجات تسموا به في مرقاة التمكن ليرى الأنامل تخط خطوطا، أو تحد حدودا، وتضع ضوابط سواء في الكتابة الأدبية أو النقد الأدبي.
تكون بدايات المرء، رخوة العزائم، قليلة الصبر، شديدة النقد، طائشة الأحلام، سريعة التوثب، تلفحها الكلمات لفح الصفعات، ولا تزال تتلقى دروس فضيلة أستاذ الزمن، وتغمرها الدكتورة حنكة التجربة، وتترقى مكانة، وتسمو عن سفاسف الأمور، ويشتد عودها وتقوى صلابتها ويثقل وزنها، وتلبس لباس التوءدة والصبر الجميل، يزين حركات تنقلها، وسعة علمها، لتتبوأ مكانة النهايات بين أقرانها، ولا نهايات للسمو الأدبي ومعاريجه…
والأديب والشاعر يكون عظيم الأمل، نزاعا إلى السبق، سواء في ساحة الواقع حيث وقفات صدق تنقش المفاخر، وتعلو به في مقعد صدق عند مليك مقتدر، أو حين تشرق لوحاته الوضاءة بأنوارها وإشراقة طلعتها على الوجود؛ بينما يقبع القاعد الطاعم الكاسي مكانه وقد ارتعدت فرائصه خشية فقدان كرسيه ومكانته.
وترى الرجال على جبهات الباطل تهدم بمعولها جنود الظلم وتهزمهم برشاقتها ورقتها من غير طلقة نار تحوّل الحياة إلى موت. بينما ترسم لوحاته الفنية فنها في شكل خطوط وخدوش تجذب اللب وتتسلط عليه، بل تملكه وتترك الرائي يمضي بغير عقل، وعندها يتحول الأديب إلى راع يرعى النشء ويسقيها بماء الحياة، ويمدها بنظارة خضراء يعلمها استكشاف الجمال ومحبته، ليحيى الضمير ويسعد, ويتحول من خصم عنيد إلى صديق رفيق رحيم.
فتتفتق براعم الفتيان على شكل معين ولون مميز، فإن أقبلت إقبالها شد شكلها الناظرين، وأثر فيهم جميل السلوك وصبغة لونها، وإن أدبرت إدبارها، وجفت جفاءها كان هجرها جميلا وشكلها نظيفا مليحا، فيلتقي فيها المادح والذام وتتمازج أوصافهم، حتى يختلط عليك الذم بالمدح، وترى الكل جميلا.هبة من بديع السماوات، ولفتة موحية بأن ما عند ربك خير وأبقى، وأن ما أبدعته يداك إلى فناء وزوال.
انبعثت أنامل العبقري تعلم الناس فن صناعة الحياة الجليلة المثيرة لفنون كمينة تحيا بها النفوس، وتمجد مجدها، وتستيقظ بها المواهب الربانية، وتتنفس نفائس ناظريها المغمور من عبقريتهم والمطمور من شاعريتهم؛ ويضحي الكل في جملة أولي الألباب اهتزت مشاعرهم واقشعرت جلودهم، وسجدت القلوب في ذل وانكسار: { رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } (آل عمران: من الآية191).