منذ مدة والمسألة تتأزم بين البلدين وتتصاعد نبراتها وتتلون لهجتها ، والآن بدأ الأمر يتخذ منحى دق طبول الحرب ، ترى ما موقف السنن الإلهية والعهود الربانية من هذا التوتر .وهل هو في صالح من يذكون نار حربها ؟ أم هي الحروب بالوكالة ؟ وعن من ؟
لست هنا بصدد تحليل الفعل ورد الفعل ، ولا بالقيام بدراسة واقعية لمعسكرات هذا الجانب أو ذاك ، وإنما أسعى للكشف والبيان ما ترمي إليه النصوص التشريعية ، وفق مقتضيات سنة الله في كونه وقرآنه ، وتؤكدها الإشارات الغيبية.
أسأل الله أن يلقى المقال نفوسا كبيرة تستعلي على ردود الفعل وترتقي إلى أعالي التاريخ حيث تقتضي واجباتها مراعاة مصلحة أمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم من سنة وشيعة فوق كل اعتبار ؛ لكون الإسلام الذي نما وينمو في الأوساط الأوروبية والأمريكية ليحتضن كبار مثقفيهم قض مضجع أعدائه وبدأت الحروب الخفية والمعلنة بشتى الوسائل توجه سهامها له.
وفي زمن الحروب بالوكالة انتشرت معاداة المسلمين في كل البقاع وأضحت نوعا من الهستريا يتكالب الخاص والعام على محاربة المسلم وسوء الظن به : فانتشرت الأوبئة بدءا من حرب تحرير الكويت إلى أحداث سبتمبر وما جرته من حروب وأطماع بكل من أفغانستان والعراق إلى سوريا ثم إلى حرب تنظيم الدولة وانتشار الفكر الإرهابي في كل البقاع ؛ بينما غدا اليهود في حرز ومنعة القوانين الغربية ؛ إذ كل مس باليهود يدخل في حيز معاداة السامية والتي يعاقب عليها قانونهم.
وفي ربوعنا العربي الزمان تغيرت مقاييسه ، فأصبحنا نوالي العدو اللذوذ وكأن القرآن لم يطلعنا بأن أشد الناس عداوة للمؤمنين اليهود والذين أشركوا . واتخذ التطبيع مع اليهود طابعه الخاص وساد في الأوساط الحاكمة في الدول العربية والإسلامية. أما الطبقة الاجتماعية لا تمت بصلة لليهود ومن يطبّع معهم.
وما كل هذا إلا ليستكمل اليهود علوهم واستكبارهم في الأرض بوعد القرآن :
{ وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) (سورة الإسراء 4 – 9)
وقد تغنى هنري كسنجر بمشروعه القاضي بابتلاع إسرائيل لسبع دول شرق أوسطية وأطلعنا بأن مخططه قد قطع أشواطا وقد أضحت المنابع البترولية تحت السيطرة ؛ في الحين ، تعتقد دول الخليج أنها تبرم صفقات الدفاع عن نفسها وحقولها النفطية مع أمريكا ؛ ولئن صح الحديث عن المخطط يضحي حاميها حرامها ـ كما يقول المثال المصري ـ ولا حد لمبلغ طموحات اليهود وتخطيطاتهم في زمن استعلائهم واستكبارهم في الأرض حيث تغض الأمم المتحدة الطرف على كل جرائمهم ، وحتى المحاكم الدولية لم تقل كلمتها في حقهم رغم الشكاوى المقدمة إليها.
وهكذا لن تجد لعهد الله ووعده تبديلا ، ولا تغييرا ، ولا تحويلا ، والله جل جلاله أرسى سننه في كونه وأرشد إليها قرآنه ووعد وتعهد ، ومن أوفى بعهده من الله كما اشتملت عهوده قوله تعالى :
{ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141) } سورة النساء
بيد أن العهد ليس على إطلاقه لكون الله جعل الدنيا بين الناس دولا :
{ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) } سورة آل عمران
وقد تعهد جل جلاله كما جاء في حديث القدسي عن ثوبان رضي الله عنه فيما يرويه الإمام مسلم وغيره من أئمة الحديث :
[إني سألتُ ربي لِأُمَّتِي أن لا يُهْلِكَها بسَنَةٍ عامَّةٍ وأن لا يُسَلِّطَ عليهم عَدُوًّا من سِوَى أَنْفُسِهِم ، فيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُم . وإنَّ ربي عَزَّ وجَلَّ قال لي : يا مُحَمَّدُ إني إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يُرَدُّ وإني أُعْطِيكَ لِأُمَّتِكَ أن لا أُهْلِكَهُم بسَنَةٍ عامَّةٍ ، وأن لا أُسَلِّطَ عليهِم عَدُوًّا من سِوَى أَنْفُسِهِم فيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُم ولو اجتمع عليهِم مَن بينَ أَقْطَارِها حتى يكونَ بعضُهم يُهْلِكُ بعضًا وبعضُهم يَسْبِى بَعْضًا ]
( الراوي : ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه لم | المحدث: الألباني | المصدر : تخريج كتاب السنة الصفحة أو الرقم: 287 | خلاصة حكم المحدث : صحيح )
فسنة الله اقتضت بأن تمكين الكافر من المؤمن يكون في حالة واحدة حين يسلط المسلم على أخيه المسلم سلبا لأرضه وماله وإهلاكا لأخيه عندها يستحوذ الكافر على المؤمنين تسلطا واستعبادا واستعمارا ، والحروب بالوكالة أدت هذه الوظيفة على أتمها وكمالها .
وإذا أخذنا في اعتبارنا هذا العنصر الحيوي والفعال في تحريك عجلة التغيير ، فهل نثق بعهد الله الذي لا يخلف الميعاد ؟ أم نتمادى في غينا ونتناحر فيما بيننا ونتقاتل فتحا لشهية المستعمر وهو يتربص بنا الدوائر ؟ أم نصغي لعهد الله :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) } سورة الأَنْفال
وإذا أخذنا في الحسبان ما تقوم به إسرائيل من تشييد وبنيان في الأقصى الشريف وتعمر الأرض وتنشر المستوطنات ، ولهذا الحدث دلالة أخرى ووصية نبوية كريمة تنبهنا وترشد خطانا في هذا المضمار يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما :
[ عمرانُ بيتِ القدسِ خرابُ يثربَ ، و خرابُ يثربَ خروجُ المَلْحَمَةِ ، و خروجُ المَلْحَمَةِ فتحُ القسطنطينيَّةِ ، وفتحُ القسطنطينيَّةِ خروجُ الدجالِ ]
(الراوي : معاذ بن جبل | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع الصفحة أو الرقم: 4096 | خلاصة حكم المحدث : صحيح )
فهل ننتبه لخطورة الأمر ؟ فليس هناك من يتربص الدوائر بالمدينة المنورة وقد سميت هنا يثرب على ما كانت عليه في الجاهلية قبل الإسلام ، وللاسم إشارة ربانية تفيد بانقلاب حكامها على ما كانت عليه جاهلية الأوس والخزرج من تطاحن وتقاتل ، وما حرب اليمن وتطاحن المسلمين إلا خير شاهد.
وإذا أضفنا لكل هذه المعطيات عهد الله التالي بهلاك كل القرى قبل يوم القيامة ، فما يجري في كل من سوريا واليمن ما هي حرب بالوكالة تحقيقا لأمر الله جل جلاله وتنفيذا لوعده سبحانه وتعالى : وكيدا مبيتا لأهالينا هناك.
{ وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58) } سورة الإسراء
لندرك صدق الوعد النبوي، وهل تستحق مدينة الحبيب المصطفى هذا الخراب الشديد ؟ إن كنا أهلا لنصرة الحق وإعلاء كلمة الله ؟
فهل نعي الوصف الدقيق للحبيب المصطفى ، ونحن ندرك بأن لا أحد يتهدد المدينة إلا الشيعة لما لهم بها من أئمة ولما يكنونه من عداوة بادية لكل الصحب الكرام باستثناء عدد يعد على رؤوس الأصابع منهم.
فهل نقرأ وصية الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما أم نتمادى في غينا لنلقى حتفنا .
هذا وللربانيين أولي البصائر النيرة منظار شفاف من وراء حجاب صفيق يتطلعون من خلاله للعهود الربانية فيرونه كما توعد الحبيب صلى الله عليه وعلى آله وسلم بكل تفصيل.
والمؤمن من اكتملت رؤاه التشريعية مع نور بصيرته فيرى ما لم يعهده غيره من مبشرات تنذر بالمصائب العظام والكوارث الإنسانية . وهل يتوقف الأمر عند خراب يثرب أم يتعداه لابتلاع الأقطار العربية ؟ ؛ إذ لا حد للأطماع الصهيونية إلا وجود من يتوعدها بالفناء وطبعا هي إيران وحلفاؤها من خط المقاومة.
تلك هي اللوحة القاتمة التي ترسمها سنن الله في أفق سمائنا والتي تعبر أصدق تعبير وأبينه عن الواقع وما يتربص به من مكر وخبث من قبل أعداء الملة أو حتى من بني جلدتنا من المسلمين. وقل للذين أفئدتهم تصغوا لدرب الإلحاد ما الذي ترسمه ريشة بيانكم أصدق من دلائل الوحي وأحسن تفسيرا ؟
أترى المقال يصادف عقولا نيرة تترفع وتستعلي إلى ذروة ما يتطلبه التاريخ منا من وقفات لله ترضي الرب وتستمطر فضله العظيم لعله يمن علينا وعلى مجتمعاتنا بالطمأنينة والسكينة يغمرها فقه المرحمة بالحكمة العقلية والرحمة القلبية لإدارة مجتمعاتنا المفتونة. والله غالب على أمره ،ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
اقرأ كذلك
رعب المشرق وتعاليم القرآن
ما الذي زرع الرعب في قلوب العباد فهذه دول الخليج تقدم على صفقات كبيرة تجهز …