{يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}
باقتحامنا هذه الضوابط لسنة الله نضع اليد على ميزان شرعي وضابط جديد لكل علم بل لكل حركة وسكنة ينبؤنا أإلى رشد تسعى أم إلى ضلال تهدف إذ لكل فعل جزاء إن خير فخيرا ، وإن شر فشرا هذا فضلا عن أنه يهيئنا لاقتحام أبواب العلوم بضوابط السنن الإلهية. ولنجد أنفسنا أمام ميزان يزن بالحق الإلهي الذي لا يحيف ولا يظلم ربك أحدا.
لقد عهد الله لكل شيء في هذا الوجود بما يقتضيه أمره جل وعلا :
{كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} النور 41..
ليمضي هذا الكون في انسجام بديع بين كل مكوناته ، واعتنى القرآن الكريم العناية التامة برسالة الإنسان في هذا الوجود ، ولم يفرط في جانب من جوانب الحياة إلا و جَاءَ فيه بالحق وأحسن تفسيرا.
واقتضت سننه سبحانه وتعالى أن لا يعذب أحدا حتى يبيّن لهم ما يتقون ، واقتضى بيانه أن يكون هناك رسول :
وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا – الإسراء : 15.
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ التوبة : 115.
إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا الإنسان : 3.
هكذا اقتضت حكمته وصار حكمه.
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ – البقرة : 187.
وجعل الله من كل شيء زوجين يتكاملان في صيرورتهما من الأصل إلى النقيض ومن هذا النقيض إلى أصله ثانية ليستمر الكون في دورانه ولتتداول الناس الأيام ليمضي قانون الله في انسجام بديع ، وتكامل محير للعقل ، وتبقى على الإنسانية استكشاف هذه الضوابط لتمضي على نور من ربها.
وهكذا يقيم الله حججه علينا، مبينا تعليل أفعاله لنا ، ليحي من حيي عن بينة ، ويهلك من هلك عن بينة، ومن تتبع أفعاله جل وعلا يجدها عين الحكمة والرحمة تفضلا منه ونعمة .
ورب فعل واحد تبرز من خلاله حكم متعددة، يدركها من أدركها من أصحاب الحس المرهف ، والمطالعة لأفعاله جل وعلا في الكون ، إذ الله جل جلاله :
كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ الرحمان : 29..
ويوم ربنا ألف سنة مما نعد ؛ وهو سبحانه وتعالى في يومنا شديد المحال. ولعله بإخراج هذا العلم للوجود يريد بالفقه الإسلامي الارتقاء عن فقه خضع لظرفية زمان ومكان دولة الأمويين إلى فقه يتطلع إلى مزامنة العلوم العصرية ومضاهاتها ليدخل علم الإحصاء من أوسع أبوابه وليبرهن لكل ذي لب بأنه سبحانه وتعالى أسرع الحاسبين لا يرضى بفقه منكمش لعصر الأمويين وما اشتمل عليه من تمزق مذهبي ونزاعات فقهية ليبرز للعيان فقها معاصرا يماشي تطور الزمان والمكان ولينشر فقهيا علميا بأدق تفاصيل الحياة لينادي المتخلفين من أولي الدرجات العلمية في العلوم الإنسانية بأنهم ما كانوا ليسبقوا فقها ربانيا متمكنا من كل ضوابط الحياة يبرهن على صيرورة الأحداث وتطورها في زمن غلب عليهم الخرص والتقدير والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فضلا عن غيرها وليقول بصريح العبارة ودقيق الإشارة :
سورة الأَنْفال
{ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لَا يُعْجِزُونَ (59) }
والآية وإن جاءت للتحذير في المجال العسكري فهي أيضا بادية الوضوح في مجالنا هذا حيث تكشف عجز العلوم الإنسانية عن تبني رؤية وحدوية شاملة لكل مناحي الحياة بما تسموا إليه من فكر إلحادي بعيد عن مجال ربط دواليب الحياة بفقه رباني مستنير متطلع لغد أفضل برؤية توحيد الرب جل جلاله ؛ ولينتقل الفقه من بين أيد أخضعوه لحكم السلطان إلى فقه متحرر من كل قيد يحكم كل شيء ولا يشمله إلا كتاب رب العزة ولا يحكمه إلا قانون رب العزة حيث لا مذهبية ولا فرق شيعية وأخرى سنية يتنابزان السيادة والريادية ودين الله منهم براء. كما يبتعد عن فقه مذهبي متنافر إلى رؤية وحدوية متكاملة ووجهة علمية غير متنافرة.
إن قرآنا يصرح :
سورة هود
{ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (119) }
فالمرحومون لا يختلفون ، والمعذبون لا يمثلون دين الله الذي جاء يقص علينا أكثر الذي اختلفت فيه بنو إسرائيل وما كان لمن ينبذ الاختلاف أن يحمل في طياته بذور الاختلاف والشتات الفقهي.
ولما جمع الله جل جلاله بين أوصافه المختلفة من رحمة ورأفة، وكذلك كونه قهارا جبارا متكبرا ؛ اتصفت أفعاله بالمواصفات المتعددة :
مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا – النساء : 147.
إنه استفسار يوقظ الهمم ويدفع العبد لسد باب عذاب الله بالشكر والإيمان.
وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ الأنفال : 33..
فهل فقه ينسب لله تعالى هو فقه حزبي متناحر ومتفاخر فيما بينه والله جل جلاله يبيّن لنا :
سورة المؤمنون
{ فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ (54)}
سورة الروم
{ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32) }
تلك هي الغاية التي يسمو إليها البحث وترتقي إليها التطلعات . فهل ننتهي من التفرقة الدينية بعد أن بان لنا بأن الفرقة قطعة من عذاب ؟ أم نتمادى في تضليل الناس بأن الخلافات المذهبية لا تمس العقائد بل هي اختلافات في الفروع والأغلب على العقيدة الأشعرية الضالة المضلة تفتري على الله الكذب وتتقول عليه.
{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون} الروم : 41.
” باب عظيم فتحه الفتاح العليم ، واستدعى منه العصاة والمذنبين للإقبال عليه لعل عذابا قليلا في الدنيا ينجي من سخط الله دنيا وأخرى .
فرب في زمان تكالبت فيه الكفار شرقا وغربا على المسلمين نطالع أمر الله جل جلاله وهو شديد المحال لندرك بأن كل متلبس بجرائمه ضد الأمة سيقصمه المتكبر الذي اختص بالكبرياء والعظمة ، وتوعد كل من تلبس بهما بالخسف وذهاب الريح : بالأمس القريب كانت دولة ابريطانيا لا تغيب عنها الشمس. وها هي اليوم انكمشت حدودها وزالت قوة سلطانها.
وها هي أمريكا في غرة كبريائها وعزة اختراعاتها من غزو للفضاء وقوتها الضاربة في أقصى الدنيا وغربها تصول وتجول في كبرياء سيقصمه الجبار. وما فشلها في كل مرة دخلت فيه حربا إلا وجرت ذيل الهزيمة سواء في العراق أو أفغانستان أو …وهذا باعتراف أول مسئول فيها