– مسألة منع التظاهر ومساندة الحكام نموذجا-
أمليت النظر في التفاسير واتضح بأن كلا منها اعتمد ضوابط النصوص الشرعية، وجاءت النتائج عكس الصواب متضاربة، وأحيانا مخالفة للصواب؛ بل ومناقضة لنصوص الكتاب نفسه.
وهنا يكمن سر الربانية، حين ترد الأمور إلى عالم الغيب وأخفى، تتفتح الحلول تفتح الوردة من آكامها، وينهمر الإلهام على الأقلام وتتفتح الأفهام بتوجيهات قريبة عهد بربها، وينقاد المرء إلى باب ربه مسبحا ملبيا.
ما انطوى سر الاختلاف بين مختلف الأفهام إلا من جراء غياب ضابط النصوص وهي الحكمة الربانية أو السنن الإلهية القرآنية منها والكونية : إذ ما كان الله ليربط الكلام عن الكتاب في تسع آيات من كتابه العزيز مردفا له الحكمة، إلا ليحث الهمم على القيد والضابط لفهم النص الشرعي، وإليك سرد للآيات التي ربطت الكتاب بالحكمة :
1-{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (البقرة:129)
2-{كَما أرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} (البقرة: 151)
3-{ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة:231)
4-{وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} (آل عمران:48)
5-{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (آل عمران:164)
6-{أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} (النساء:54)
7-{ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} (النساء:113)
8-{ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ} (المائدة:110)
9-{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (الجمعة:2)
القرآن كلام الله وهو فعله أيضا:
{إنما توعدون لواقع} المرسلات 8
فالعهود الربانية هي العين البصيرة التي من خلال حكمتها يفقه القول الحكيم للكتاب، ولا يمكن الفصل بين أفعاله سبحانه وتعالى عن أقواله، فقوله فعل ووعده واقع، وفعله قول.
وهنا يكمن سر الربانية، حين ترد الأمور إلى عالم الغيب وأخفى، تتفتح الحلول تفتح الوردة من آكامها، وينهمر الإلهام على الأقلام وتتفتح الأفهام بتوجيهات قريبة عهد بربها، وينقاد المرء إلى باب ربه مسبحا ملبيا.
1-{رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (البقرة:129)
غفل الفقهاء عن هذه الرؤية الربانية التي تجمع توحيد الرؤية الرباينة بشموليتها من جميع زواياها، وتنبذ الكلام الفارغ لمن يتشدقون بالتوحيد وهم غافلون أو متغافلون عن هذا المنهج الثر المتدفق بالمعاني والتوجيهات والعهود الربانية التي لن تجد لها تبديلا ولا تغييرا ولا تحويلا.
فمثلا:
تناشد المجامع السلفية منهج التقرب للطغاة، ومنع التظاهر ركونا للظالمين، وهي مناشدة تناقض التوجيهات القرآنية
{لئلا يكون للناس عليكم حجة الا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون} [ الآية 150 من سورة البقرة]
فضلا عن غيرها. فيا له من عهد رباني يبين سبيل النجاة في الدنيا وتمام نعم الرب على العباد في الدارين. ورضا الرب: يستلزم خشيته لنكون ممن حقق الرضوان الموعود، والوراثة المنشودة:
{ ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه} [البينة الآية 8]،
{وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من ارضنا او لتعودن في ملتنا فاوحى اليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الارض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد } [سورة إبراهيم الآية 13/14]
فأين توحيد من يمنع المظاهرات، وهو يخشى الظالمين؟ أو يستكين لفتات موائدهم طمعا ورهبا، أيبتغون عندهم العزة؟
{ من كان يريد العزة فلله العزة جميعا } [فاطر الآية 10]؛
أما من استدار وجهته عن هذا السبيل وتقرب منهم ابتغاء حماية ونصرة وعزة، فمصيره الذل والخسف على يد من تقرب إليه:
{واتخذوا من دون الله الهة ليكونوا لهم عزا كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا } [مريم 81-82]
ترى من يعقل هذه التوجيهات الربانية ويستنير بنورها؟ ويتقي الشرك ويتخذ عند الله يد توحيد تنجيه شر المهالك؟
{واتخذوا من دونه الهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون ولا يملكون لانفسهم ضرا ولا نفعا ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا } [الفرقان الآية 3]
تغيرت الأصنام وأصحبت حكاما يحكمون بأمرهم وما تجرأ أحدهم جرأة فرعون ليدعي الربوبية، وإن تفرد كلا منهم بالقرارات واستحسنوا ما زين لهم الشيطان…وقالوا قولته:
{ قال فرعون ما اريكم الا ما ارى وما اهديكم الا سبيل الرشاد} ] الآية 29 من سورة غافر[
{ واتخذوا من دون الله الهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون } [يس الآية 75/74]
ماذا فعلت أمريكا بالشاه، وقد كان جنودها مجندين في بلاده؟ لقد أوصوه الفرار بجلده خشية الوقوع فيما وقع فيه اتشوسيسكو…
وأكثر من هذا فقد لفظوه لفظ الجيف، حينما كان شريدا طريدا، فكانوا عليه ضدا إنها العهود الربانية التي لا يفقهها إلا الموحدون بالحق، وليس متشدقي التوحيد، الهاجمين على الأولياء، والأضرحة، لما خافوا مواجهة السلطان، والتوحيد منهم براء: إنه الشرك السياسي.
فهل نستفيق من الغفلة ونعود لضبط فهم كتاب ربنا والذي هو قوله سبحانه وتعالى من زاوية أفعاله سبحانه وتعالى وهي عين الحكمة. أم ننظر للموضوع شزرا، ونتهم من لا يساير مذهبنا ب… ونتصبر على شركنا كان الله لفقهاء انحرفوا في تأصيل فهم القرآن بعيدا عن حكمة فعله جل جلاله وهي جملة سننه
.