كتب الشيخ ابن تيمية كتاب تحت عنوان رفع الملام عن أئمة الأعلام؛ ومن هنا كان تركيزي ومناقشتي للمعاصرين، لا لغيرهم؛ ذلك لأن الأوائل فهموا النسخ بمعنى إطلاق المقيد، وتقييد المطلق، وتخصيص العام، وتعميم الخاص، والكل نطق بما وصل إليه اجتهاده.
ولم أجد من وقف عند نصوص كتاب تمنعهم من السير على الدرب كقوله تعالى:
{ما يبدل القول لدي}ق.
وخلص البحث بالقول بإجماعهم على أربع آيات اتفق على نسخها، وما هي إلا أمثال آيات أخر سيق فيها لتدرج في الأحكام على شاكلة الخمر والربا.
لنخلص للقول إن كانت فقط أربع آيات متفق على نسخها فلم تم وضع علم مستقل بذاته وسمي علم الناسخ والمنسوخ، ألم يكف أن تعرف هذه الآيات اسثناء؟؟؟
لكن فوق كل ذي علم عليم، وسبحان من ألهمنا مقاييس السنن الإلهية، فهي لم تترك ظلاما إلا كشفته، ولا تغرة باطل إلا أبانتها، ودلت عليها.
ومن مميزات التشريع الرباني:
1- الربانية،
2- رفع الحرج،
3-الوسطية
4- مراعاة استمرارية الحياة
5-التدرج
6-التيسير
7-التخفيف
فالتدرج خصيصة من خصائص التشريع، وهو ما لم يعتبره من قال بالنسخ. ولا ندخل معهم في جدال ما قننوه، وما سطروه، لكون اللسنن الإلهية نفته جملة وتفصيلا.
قال أبو محمد ابن حزم:
ونحن لا نأبى هذا ولا نقطع أنها كانت قرآنا متلوا في الصلوات، ولكنا نقول : إنها كانت وحيا أوحاه الله إلى نبيه (عليه السلام) مع ما أوحي إليه من القرآن، فقرئ المتلو مثبوتا في المصاحف والصلوات، وقرئ سائر الوحي منقولا محفوظا معمولا به، كسائر كلامه الذي هو وحي فقط. 1
إنها وقفة جريئة لرجل لا يخشى في الله لومة لائم، فرحمك الله رحمة واسعة، لكنه لم يكن فارس ميدانه الوحيد، فلا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرة على الحق إلى قيام الساعة. وفي سياق القائمين بالحق كتب عبد الله بن الصديق الغماري كتابه : ” ذوق الحلاوة في امتناع نسخ التلاوة ” طبع بمكتبة دار الأنصار بالقاهرة. ومن قدر الله أن الكتاب لم أعثر عليه لكن شعبان محمد إسماعيل انتقده بقوله : ” حاول فيه تضعيف الآثار الواردة في نسخ التلاوة من ناحية السند، ورفض نسخ التلاوة مطلقا. وكل ذلك مردود بما ذكرناه “. والحقيقة أني أقول من لم يعرف قدر الرجال يهون عنده الكلام فيهم, وعبد الله بن الصديق ينتمي إلى عائلة خرجت محدثين يحسب لهم حسابهم في هذا الشأن، فكيف يتطاول عليهم وهم أهل اختصاص وخبرة لا يستهان بها. ( لو انتقد دراسته نقدا علميا ما كان لنا عليه من تعليق). ورحم الله من عرف قدره ووقف دونه. وتبقى الضوابط العلمية فوق الكل ليحي من حيي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة.
1– الأحكام في أصول الأحكام, المجلد الأول, ج 4/ 491- 492 و 493.