أ- آيات النسخ والمحو والإثبات والتبديل من منظور السنن الإلهية:
استدل القائلون بالنسخ بنصوص من كتاب الله هي كالتالي :
{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}[البقرة : 106]
{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[ النحل : 101 ]
{يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[ الرعد : 39.]
1- النسخ بمعنى المحو والإبطال والإزالة :
لنذر هذه النصوص مرحليا ولنبحث عن جواب لسؤال جوهري :
– هل في القرآن نسخ ؟
– يجيب القرآن الكريم : نعم استنادا إلى قوله تعالى :
{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ} [ الإسراء : 59.]
ترى ما هي الآيات التي كذب بها الأولون ؟
جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستندة إلى عهد الله إليهم حسب قولهم :
{إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ} [ آل عمران : 183 ]
– فرد عليهم صلوات الله عليه بأمر ربه:
{قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [ آل عمران : 183 ]
وقد وردت إشارة إلى هذا العهد في قوله عز وجل :
{وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}[ البقرة : 248 ]
لكن العلي الخبير أوحى إلى رسوله الكريم عليه السلام :
{وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِين الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[ البقرة : 145-146.]
والله الذي منع إرسال الآيات جاء بآيات أخر أفضل وأرفع من الأولى، فما قصة الإسراء والمعراج، وما تلاها من فتح وعهد جديد في الدعوة إلى الله، وما جاء به الله من فتح في غزوة بدر الكبرى، وما فيها من الآيات عددا وعدة، وهذا خير تعبير عنها :
{وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[آل عمران : 123]
أبطل الله الآيات الكونية وجاء بالآيات المثيرة للانتباه، والداعية للتأمل والتفكير والتملي.
جاءت الآيات الكونية خيرا من الآيات التي كان من شأنها إثبات نبوة النبي وما تغني هذه الأخيرة الداعية إلى صد ق برهان الداعي عن كونه جاء من عند الله، والآيات التي من جرائها جاء الفتح من الله وانقاد الناس بطواعية واستسلام لدين الله.
ومن هنا ندرك سر قوله تعالى :
{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ}[النحل : 101.]
2- النسخ بمعنى النقل والإثبات :
على قراءة ابن عامر ” ننسخ ” :
* نسخ القرآن الكريم : إثباته وإخراجه من اللوح المحفوظ وهذا أيضا موجود في كتاب الله : فالقرآن الكريم نقل إلينا برمته من اللوح المحفوظ :
{إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ}[ الواقعة : 77-79.]
وبهذا المعنى جاء قوله عزوجل :
]مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[ البقرة : 106
نسخ الله القرآن من اللوح المحفوظ, وكان أحسن الحديث على الإطلاق بشهادة القرآن نفسه :
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}[ الزمر : 23.]
* أما الآيات التي أنسيت فهي متعددة :
‘- صحف إبراهيم و زبر الأولين :
لقوله تعالى :
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}[الأعلى : 14-19.]
والمتمعن في بلاغة القرآن يجد المقابلة فيه أوضح بيان, فلما أثبت القرآن الكريم ونعته بأحسن الحديث جاء بالنسيان الذي هو بمفهوم النسخ وهو المحو والإزالة لتكميل المقابلة بالإثبات حسا وبالإلغاء معنى.
وهنا يتساءل المرء أين هي آثار صحف إبراهيم ؟ بل أين هي زبر الأولين ؟
{فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [ آل عمران : 184.]
’– الإلقاء الشيطاني :
لقوله تعالى :
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[ الحج : 52-54.]
بعث الله الأنبياء دعاة لسبيل الخير والهدى والصلاح, لكن الشيطان داع لأصحابه أيضا إلى سبيل الضلال والكفر والشرك ودار السعير. أفيليق به أن يترك الناس ليصغوا لرسالة رب العالمين ؟ كلا, بل يوحي إلى أكابر المجرمين زخرف القول غروراً ليصمدوا على دربهم, وليفتنوا من آمن برسالة السماء :
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ, فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ}[الأنعام : 112-113.]
إنه قانون الله في تسليط شياطين الجن على الإنس ليوحوا إليهم باطلهم, وليرتضوه ويرفعوا لواءه عاليا ؛ يضاهون به دعوة الأنبياء.
والأمر غير مقتصر على نبي دون نبي, بل سنة الله عامة لكل الأنبياء, ومن الأمثلة على ذلك ما ساقه الله جل شأنه على لسان فرعون يضاهي به دعوة موسى عليه السلام :
{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُون أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِيـنَ}[الزخرف : 52-51]]
ورب قائل يقول كيف ندرك أن ذلك كان من زخرف الشيطان؟ ألم يكن ذلك الخطاب الواقعي المنطقي الجاد في وجه دعوة جديدة تحاول تغيير الواقع وإفلات زمام الأمور من يده ؟
والجواب بسيط جدا.
فالشيطان بعد عن الصراط ونكب عنه بقوله عز وجل على لسان الشيطان:
{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}[الأعراف 12]
إن دربه درب الاستكبار والعتو والعلو لذلك أوحى لفرعون قوله :
{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف : 52].
لكن ما يلقيه الشيطان تتبناه القلوب المريضة, وما هي إلا بضع سنوات حتى يجرفه تيار الحق ؛ لكون الباطل كان زهوقا, هكذا ينسخ الله ما يلقي الشيطان, وتبقى آيات الله واضحات بينات, محكمة لا لبس فيها ولا غموض.
ومعلوم ما يتمناه نبي من الأنبياء أرسله ربه إلى أمة أو أمم ليس أعز إليه من استجابة قومه له، وإيمانهم بما جاء به، وهذا الذي تتناوشه الشياطين كما أسلفنا.
“– ومما جاء في النسيان بالسنة المحمدية :
فعن أبي سلمة قال : سألت أبا سعيد وكان لي صديقا فقال : ” اعتكفنا مع النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأوْسَط من رمضان فخرج صبيحة عشرين فخطبنا، وقال : ” إني أُريتُ ليلة القدر ثم أُنْسيتها أو نُسِّيتها، فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر، وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين، فمن اعتكف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فليرجع، فرجعنا وما نرى في السماء قزْعة، فجاءت سحابة فمطرت حتى سال سقف المسجد، وكان من جريد النخل، وأقيمت الصلاة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته.( الحديث أخرجه البخاري كتاب فضل ليلة القدر, باب التماس ليلة القدر في السبع الأواخر, حديث: 2016 ج 4/ 786,) (فتح الباري).
{سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}[ الأعلى : 6-7.]
”– أما مفهوم الإنساء وهو التأخير:
على قراءتي ابن كثير وأبي عمرو ” ننسئها ” عهد الله عز وجل لإقامة الحجة على الخلق, وإبراز آياته واضحات بينات, لا يشوبها غبش ولا يكتنفها التباس.
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[ فصلت : 53 ]
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [ يونس : 38-39]
كثيرة هي الآيات التي طفت على سطح الأحداث تقول بلسان حالها :
{قُلْ صَدَقَ اللَّهُ}[آل عمران : 95.]
منها الوصف الدقيق لمراحل الجنين في البطن, ومنها انضباط السنن الإلهية القرآنية مع السنن الإلهية الكونية.
• الإتيان بخير منها :
نسخ الله الآيات المعجزات التي جاء بها الأنبياء, مثل ناقة صالح, وعصى موسى, وغيرها من الآيات الباهرات. وجاء سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بأعظم معجزة وهي القرآن الكريم. وتجلى الإعجاز القرآني في اختصاص الله بالخلق والأمر, وبهما تحدى البشرية, أما كونها خيرا مما سبقها من الآيات : بشهادة الباري جل وعلا :
{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا}[الزمر : 23]
– الإتيان بمثلها :
أ ـ في السنن الإلهية القرآنية :
والأمر جاء على ضروب متعددة, فإذا تعلق الأمر بالسنن الإلهية والعهود الربانية فهي تمضي في اطراد تام, وتتابع على نفس النمط. مثاله : قوله عز وجل حيث يتجلى عهده وميثاقه على المؤمنين :
{أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ} [الأعراف : 169.]
إنه استفهام استنكاري على المتقولين على الله من الأمم السابقة، وهو لنا بمثابة ” إياك أعني واسمعي يا جارة “. وقد جاء القرآن بصيغ مثان، وهو بصريح العبارة :
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [ الأعراف :33]
ومن مفهوم المخالفة :
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ}[ العنكبوت :68.]
ج- ومنها أيضا :
قوله عز وجل :
{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ}[الأنبياء : 105]
{فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمْ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}[ إبراهيم : 13-14.]
{وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}[ الأعراف : 128]
هكذا تترى الآيات وتتشابه في الأحكام عبر الأزمان ؛ إذ لا تغيير لسنن الله رغم اختلاف الأزمان، واختلاف الكتب، فالوعد واحد والسنة لا تتغير.
ب- في السنن الكونية :
تم تحقيق عهده ووعده في الظالمين :
{ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا}[ الأحزاب : 60-62]
وكانت غزوة خيبر وانتهى أمرهم، وانقضى خبرهم.
خلاصة معاني آية النسخ من سورة البقرة (106) :
تعلق النسخ بمعان ثلاثة :
1- النسخ بمعنى الاستنساخ ويعني النقل والإثبات.
2- النسخ بمعنى المحو والإبطال والإزالة.
3- النسخ بمعنى النسيئة والتأخير.
1) النسخ بمعنى الاستنساخ :
وهو النقل والإثبات ومن هذا القبيل نسخ القرآن من اللوح المحفوظ.
2) النسيان بمعنى المحو والإبطال والإزالة وهو أنواع :
أ- نسيان كتب الأنبياء, مثل : زبور داود, وصحف إبراهيم, وغيرها من كتب الأنبياء التي لا علم لنا بها.
ب- نسخ إلقاء الشيطان : فلكل زمان داع لله وداع للشيطان.
وداعي الشيطان إنما يدعو حزبه ليكون من أصحاب السعير, وما كانت دعوته ومكره بالشيء الهين، فلقد افتتن أقوام بضلاله ورأوه حقا، ودافعوا عنه بكل ما يملكون، فلدعوته منطق وحجج تقوم عليها, والحقيقة ما هي إلا زخرف القول غرورا، فسرعان ما تنكشف الدعاوي ويستفيق الغافون، اللهم إلا من بعدت عليه الشقة ويئس من رحمة الله، وأضله الله وصده ما كان يعبد من دون الله.
ج- والنسيان يتسرب للسنة المصطفوية لحكمة يريدها الله جل جلاله، مثل نسيانه صلى الله عليه ةسلم ليلة القدر ومتى هي ؟
وكانت معجزة الأنبياء دليل صدق على نبوتهم؛ وكانت حجة خاتم النبيين القرآن الكريم : أحسن الحديث على الإطلاق.
وجاء القرآن بنفس السنن الإلهية التي شملتها الكتب السابقة.
وجاء أيضا بنفس التفسير للسنن الكونية.
وجاء أيضا بمثل بعض الأحكام التشريعية.
د- نسخ الآيات الكونية :
{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ}[ الإسراء : 59.]
{وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[البقرة : 248]
3) النسخ بمعنى النسيئة والتأخير :
فهو أنواع :
أ- تأخير الرسالة المحمدية عن باقي الرسالات وأخذه جل وعلا العهد على كل الأنبياء بالإيمان به ونصرته.
ب- تأخير بعض الأحكام لمقتضى التدرج فيها وقت التنزيل كما في آيات الخمر والربا إلخ …
ج- تأخير كشف الآيات الكونية وفقا لوعده عز وجل :
{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ}[ فصلت : 53]
فهل لاح لذوي الأبصار أن لا نسخ في أحكام التشريع لكونه يتساوى مع البداء، فهل إذا أحسنا الظن بالله وقلنا بالنسخ في تشريعه ألم نكن آنئذ قد وضعنا اليد على التناقض والاختلاف في القرآن، وهذا أمر مستحيل الوقوع لعهده عز وجل :
{مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ} [قـ : 29]
ولقوله عز وجل :
{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}[ النساء : 82.]
والقول بالنسخ في نصوص التشريع من غير دليل من كتاب أو سنة صحيحة يتصافح مع القول بالبداء في حقه عز وجل.