بسم الله الرحمان الرحيم
بركةالانتداب الرباني في الدعوة إليه
حينما تتعلق الكتابة بالذات الإلهية أيليق بكل من هب ودب التصدي لها ؟ وإذا علمنا أن لا أحد احب إليه الثناء من الله أيجذر بنا أن نحرم الناس اقتحام مثل هذه المواضيع ؟
تنتاب تساؤلات العبد وقد تأخذه الخفة والاستعجال وينصب نفسه للذود والدب عن حمى الله ويطلق العنان للسانه للخوض في مجالات التوحيد معتمدا على ما أخذه من كتب تنسب لطائفة من المسلمين تزعمت الخوض في ميدان التوحيد حتى لكأن التوحيد مجالها الخاص بها, فتسم هذا بالتوحيد وتنسب ذاك للبدعة وآخر للكفر والآخر للشرك. وأعوذ بالله ممن تجاوز حده ، وتحدث مباهاة وكبرياء,
ليس للعاطفة المجنحة مجال لخوض غمار العقيدة والكلام عما يليق أو لا يليق بجلالة الله جل جلاله.
فالله عليم ولا يُعْبَد إلا بعلم وكل من خالف ما جاء في الكتاب والسنة لا شك أنه قد ضل ضلالا بعيدا. من هنا وجب أولا استفسار القرآن الكريم وصريح السنة المشرفة عمن يليق بدخول هذا الحمى فضلا عمن يؤهل للكتابة والتعريف بذي الجلال والإكرام.
قد يقول قائل عجيب أن نرى من استباح حمى الله وانبرى يوزع النياشين بين الناس وغفل عما من أجله خلق وأعجب من ذلك واغرب منه من ولى وحرم الناس دخول الحمى وحصر الكلام عن الله وعما يليق أو يستحيل من مواصفات في جانب الذات العالية بآحاد الأفراد الذين يؤذن لهم بدخول الحمى واقتحام صعاب الأمور !!!
لكم بأخذ الغرور المرء أخذ مقتدر فيرميه في ساحل الخسران وليس الحمى مستباح العرض حتى يلجه من شاء ، فالخطأ في جوانب الأمور الاجتهادية معفو عنه إن شاء الله أما الخطأ في جانب الاعتقاد وبخاصة لمن لم يؤهل لدخول الحمى زندقة وضلال.
فيا ترى من يأخذ لواء التوحيد بجدارة واستحقاق ؟
سبق بيان ولو باقتضاب الفرق بين الدعوة إلى الله بإذنه والدعوة إلى سبيل الله
والموضوع أثار حفيظة الإخوة وكثرت التساؤلات وصحيح أن الموضوع يتطلب وقفات محترمة لكل المؤيدين والمخالفين ؛ فجدة الكلام تبعث عن مصادر مساندة ومؤيدة للوثوق بالرأي ،
وتأتي الجدة من كون الناس لم يألفوا التعامل مع كتاب الله بالضوابط والمقاييس والميزان الذي أنزله الله مع كتابه ، بل ولم يلتفتوا إلى كل هذه الثوابت أصلا ، الشيء الذي أباح للمفسرين عرض عدة رؤى وتصورات للآية الواحدة رغم أن الله وصف الكتاب بالقرآن المبين. وهل يحتاج المبين لبيان أصلا ؟
فالكتاب اشتمل على أقوال الله وعلى عهوده الربانية التي أرسى بها مسار الكون إلى يوم القيامة ولا يمكن للأقوال الربانية أن تفهم إلا ضمن
أفعاله ، كما لا يمكن فهم ما غمض علينا من أفعاله جل جلاله إلا ضمن حدود أقواله جل جلاله.
كما أن العهود الربانية هي ضوابط ومقاييس لكل ما يجري في الكون وهي الميزان الذي يزن بالقسطاس المستقيم. وقد كتبت في غير هذا الموطن ما يزيد العهود الربانية وضوحا وبيانا.
وبعد هذه الإشارات أعمد إلى بيان الميزان الذي أنزله الله حسما لموطن الخلاف وتبيينا لسبيل العثرات مما يجلي الغموض والضباب الذي اكتنف الموضوع لتتضح الرؤية ويتجلى الفرق بين الدعوة للإسلام الذي هو سبيل الله وبين الدعوة إلى الله.
ولا غرو أن يقال أن بين الدعوتين خصوص وعموم.
فالدعوة إلى الله من اختصاص من اصطفاهم الله لهذه المهمة وانتدبهم لها : ويقتضي البحث وقفات مع آيات جليلات أراهن بمثابة النور الكاشف لما يلتبس على العالم فضلا عن العامي.
جاء الكتاب هدى للناس نورا يستضاء به في دجى العتمة التي أسدلت سواد جناحها على الواقع ، فأبهرت ضياءه العالمين وانقادوا له مستسلمين لما لمسوه من جديد رشد ، ونباهة فكر ، وراحة ضمير وطمأنينة تغمرها السكينة والرحمة ، فضلا عما وقفوا عليه من حجج وبراهن دامغة.
هذا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يصفه ربه بقوله تعالى : { أو من كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الاحزاب فالنار موعده}هود 17
كانت أول صفة اعتنى بذكرها الله جل جلاله هي البينة من ربه ، البينة هي الحجة والبرهان والدليل الذي لا يخامره شك.
وقد أطلعنا الحكيم الخبير جل جلاله بأنه أطلع أبو الأنبياء عليهم السلام على ملكوت السماوات والأرض ليكون من الموقنين.
وكانت الصفة الثانية هي وجود الكتاب الذي يصحبه وهو القرآن الكريم.
وبهذين الصفتين اكتمل الإرشاد الرباني حيث جاء القرآن رسالة من رب العزة للناس يحملها نبي الله ورسوله المؤيد بالله إلى خلقه ؛ ليكون لهم القدوة والأسوة. فلم تكف الرسالة وحدها وإنما لا بد من رسول مسدد بالوحي ليكون التقويم ربانيا والتسديد منهجيا ؛ وليكون لغيره أسوة وقدوة. وبوجود هذه العقلية المسددة بالوحي كملت حجة الله على خلقه. ولم يدرك بعض الأصوليين هذه الخاصية فاتخذوا أقوال الصحب حجة ودليلا يستنيرون بها ، وأٌقوال الصحب لم يسددها ولم يقومها الرب سبحانه وتعالى ؛ فلم يحالف الأصوليين التسديد والتوفيق الربانيين.
ولعل الأمر يتطلب براهين تزيد الأمر وضوحا وبيانا :
جاء بعض الظالمين إلى الرسول الكريم وأبدوا إعراضهم عن دعوته وعز عليه أمر تكذيبهم له ،{قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون ، فإنهم لا يكذيونك ؛ ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} الانعام 34
والآية واست الرسول في أحزانه، وزاده ربه بيانا لسنة الله في الكون والآفاق وبين له سنة الاولين { ولقد كذيت رسل من قبلك فصبروا على ا كذبوا واوذوا حتى اتاهم نصرنا ، ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين } الأنعام 35
فتمنى أن لو استطاع أن يتسلق سلما في السماء أو يهبط نفقا في الأرض ليأتيهم بآية باهرة قاهرة ؛ وهذه الرغبة الملحة تأتي من حرصه الشديد على هداية قومه ، ورغم أن هداية الظالمين مسألة حسم فيها الله سبحانه وتعالى ووعد وعده ؛ والله لا يخلف الميعاد : { والله لا يهدي قوم الظالمين } وبقي على حرصه حتى جاءه التقريع الرباني ناهيا له عن رغبته وإلحاحه {وإن كان كير عليك إعراضهم فإن اسنطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ، ولو شاء الله لجمعهم على الهدى ، فلا تكونن من الجاهلين } الأنعام 36
التسليم لأمر الله أمر لا بد منه ومن الأداب المقتضية لذلك ، وحرص الرسول رغبة صادقة وعزمة كبيرة وتمن على الله ولكن الله سن سننا لا تحول ولا تزول ولا تتبدل ولا تتخلف برغبة راغب ولا تتبدل بطلب طالب لكون سنن الله لا تحابي أحدا وعدم مراعاة سنن الله والأدب معه هو من فعل الجاهلبن ، لا من فعل المقربين. لذا جاء التقريع { فلا تكونن من الجاهلين }
تقويم وتسديد وإرشاد رباني لما يغفل عنه الرسول من عهود ربانية ثبتها الله وجعلها أساس قيوميته للكون، فلن تجد لها تبديلا ولا تغييرا ولا تحويلا وبهذا الاضطراد والانضباط دخلت العلوم من أوسع أبوابها وصارت مقياسا لكل ما يجري في هذا الكون.
فهل أدركنا ضرورة وجود العبد الموصول بربه ليتعرض لمثل التسديد الرباني لما كان وارثا للإذن الرباني للدعوة إلى الله ؟
ولمزيد يأتي الوقوف مع بعض الدلالات للآيات الكريمات منها :
{وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} الأحزاب 46
{الرحمن فاسأل به خبيرا } الفرقان 59
{سبحان الله عما يصفون 159 إلا عباد الله المخلَصين 160} الصافات
{ ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا} الكهف