الرئيسية / نقد العلوم الشرعية / الفقه / السنن الإلهية : مخرج للفقه المعاصر.

السنن الإلهية : مخرج للفقه المعاصر.

السنن الإلهية هي عهود ربانية أرسى عليه قواعد استمرارية الحياة وجاءت كل سنة على شاكلة المعادلات الرياصية ؛ وكل العهود لن تجد لها تبديلا ، فمن أوفى بوعده من الله ؟ واليوم يعيش الفقه ” الأموي ” أخر مراحله حيث لم يعد له مكانة تبرز فضائله كما كان السلف يستميتون على التوصية بمبادئه ، فقد رفع صفحة عجزه غن مواكبة المسيرة الإنسانية بعدة أسباب أهمها نومه العميق وعدم مواكبته للتطورات الزمن ، ولم يستطع الفقهاء بآلياته مواكبة تطور المجتمعات ، ولم يبق في أيديهم شيء تحفظه المقاصد على ما تغنى به الشاطبي وأمثاله ، أصبح الفقيه في حيص بيص من أمره من أين ننطلق لإدخال الواقع حيازة الشرع ؟ وهذه العبارة للأستاذ عبد السلام ياسين عليه الرحمة والرضوان حيث يبيّن في استفسار الفقيه المحنك ما تحشرج في حلقه من إخفاق للفقه حيث قال رحمه الله : ” . استفحل الواقع، وتفاقمت مشاكله، وأمعن في الشرود عن الدين، وتجاوز كل ما ورثناه من فقه حتى أصبح مناط الأحكام فيه لا يكاد يبين. من أين نمسك الواقع لندخله في حوزة الشرع، كيف نراوده، كيف نرغمه، كيف نتدرج إلى تطويعه؟ لا يستطيع المجتهد الفرد أن ينهض لذلك وحده مهما كان تمكنه من علوم الشريعة. لابد من إشراك ذوي الاختصاصات المتنوعة، ” (نظرات في الفقه والتاريخ ) ؛ فلو استجاب الفقه المقاصدي لمتطلبات الظرفية ما كان لنا أن نبحث جوانب عز عليها إبراز ما يؤهله لمستوى العصر ومتطلباته. ولست هنا بصدد مناقشة سلبيات الفقه المقاصدي ربما نتفرغ له في موضوع آخر ، وإنما أبدي عجز الفقه كلية حيث أنني قضيت وقتا غير يسير في البحث والمتابعة لمختلف كتب الفقه وما تضمنته من نصوص قرآنية وصلت من خلاله إلى اليأس من كون هذا الفقه لا يقود الأمة إلا لحياة الخزي وفق عهود السنن الإلهية الربانية حيث أنك في أحسن الأحوال لن تجد كتاب فقه بعد نثر كل لآلئه القرآنية أكثر من 500 آية ؟ ؛ أما الأصوليون فقد بان عجزهم يوم أن هموا بتقعيد قواعد غير كلية لشريعة متكاملة ؟ وتساءلوا في استغراب بديع كيف نحكم نصوصا محدودة ومعدودة في وقائع لأفعال العباد التي لا عد لها ولا حصر ؛ هذه هي الدوافع التي قادتني إلى باب ربي ليلهم موضوع السنن الإلهية والعهود الربانية الثابتة بوفاء الله لعهوده. فالكل تاه عن بيان ما تقتضيه سنن الله القرآنية وتطابقها التام وتفسيرها للوقائع أفضل تفسير على الإطلاق وحتى لو فرضنا ، أننا وقفنا أمام معضلة كيفما كان شأنها : فباب الله غير مسدود ولسنا لوحدنا فمعية الله معنا تلهم وتسدد وتبدي ما انستر عن الأعين ، فالفقهاء تعاملوا بعيدا عما تقتضيه الأدب الربانية

سورة الشورى
{ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (10) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) }

وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبِّي هو معنا بتأيده وإلهامه وبيان مواطن الخلل والزلل لمراجعة التوجه والاجتهاد. نعم يئس الناس من تكليم الله لهم كما يئس الكفار والسلفيين من أصحاب القبور. ومن هنا تحدثوا عن الرد لله بأنه رد لكتابه وكأنه غائب عن واقعنا ؛ تعالى الله عن فقه فقهاء أغشت أعينهم العقيدة الأشعرية فمدحوها ورفعوها فوق كتاب الله وهي محض زندقة وضلال؛ كما أتم المغاربة شرع الله بخرافات الجنيد التربوية وهي تيه في السراب لما تضع نصب عينيك ما جاءت به نصوص الكتاب في هذا المجال.

كيف نمسك الواقع كيف نراوده لإدخاله حيازة الشرع ؟ سؤال جدير بالعناية والتحليل : هل هناك شيء يخرج عن إحاطة الله بكل مخلوقاته وعن علمه بكل مخلوق ؟ والجواب كلا ؛ فالعهود الربانبية آلة لإدخال الواقع بكل تعاسته في حيازة الشرع يوم أن ندخل ونبرمج كل العهود الربانية للحاسوب في مقابل دراسة الواقع ليبدي لنا كل تفاهتنا وجوانب انحرافنا عن شرعه الكريم. المصيبة العظمى هي الكل من الإسلاميين على الأقل اليوم يتغنى بأن الإسلام هو الحل وليست بأيدي المسلمين آلة تمكنهم من مواكبة الواقع ؟ إن لم نركب السنن الإلهية والتي هي الاستجابة لأمر الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام حيث تحدث عن الفتن وسئل ما المخرج منها فكان جوابه عليه الصلاة والسلام : ” كتاب الله فيه نبأ….”

تاهت الناس اليوم فيما يسمونه بالعلوم السياسية وهي دراسات تقديرية يعمها الخرص ويعمي بصرها النماذج المقترحة لدراسة بيئة ما ؛ وأكبر إشكال وقف في وجههم هو كيف تتفاعل الأحداث وتترابط فيما بينها فظنوا عوامل التاريخ سيرا على خط مستقيم تتجدد فيه الأحداث لا على نمط وما أدركوا بأن الله خلق من كل شيء زوجين وأن كل نقيض قد ينقلب لنقيضه إن توفرت عوامل تغييره إلى نقيضه فالماء يتحول من بخار إلى قطعة ثلج إن خضع لتأثيرات البرودة والسخونة ، والمرض قد يتحول عافية إن توفر الدواء الناجع والمرؤوس قد يتحول حاكما إن توفرت عوامل التغيير وفق سنن الله وهكذا ظل التخمين والتقدير سبيلهم وسر الأمر مبثوث بين ثنايا الكاب ، فهل من يجيب عن دقائق التفسير لمعطيات تاريخية نبيهة يقف مشدوها عما سطره علماء الكلام ؟ لا يعجز الله شيء في الأرض ولا في السماء.
وتعامل مفسرونا بغير ما جاء به الكتاب من كون الحكمة قيد لفهم الكتاب حيث جاءت عشر آيات جمعت بين الكتاب والحكمة لتبيه الغافل على أن أقوال الله لا تنفك عن أفعاله جل وعلا ؛ ومن هنا أعطوا للآية الواحدة أكثر من 36 بيانا فهل يستقيم هذا مع كتاب وصفه ربه بالقرآن المبين ؟ ومع أخذ نصوص الكتاب بضوابطه لا يمكن أن نستنتج غير معنى واحدا ليضحي الكتاب واضحا بينا وحجة قاطعة.
وهذا ما يبدي أننا أمام ثورة علمية جديرة بإعادة سكة الفقه بناء على مقتضيات فقه السنن الإلهية ، فضلا عن غيره من العلوم الشرعية حيث تضاربت الآراء بل وتناقضت تناقضا تاما.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

7 + 8 =