الربانية : الدلالة والمعنى
الرباني أو الربي، مصطلحان لدلالة واحدة، فالكلمات على وزن عصمان وشبعان تعني امتلاؤه بالشيء فغضبان امتلاؤه غضبا، وشبعان، امتلاؤه أكلا…والرباني فالياء فيها ياء النسب، وأصلا الكلمة من القرآن:
{إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة : 44]
{لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [المائدة : 63]
والمراد بالرباني :
وقال سيبويه: زادوا أَلفاً ونوناً في الرَّبَّاني إِذا أَرادوا تخصيصاً بعِلْم الرَّبِّ دون غيره، كأَن معناه: صاحِبُ عِلم بالرَّبِّ دون غيره من العُلوم؛ وهو كما يقال: رجل شَعْرانِـيٌّ، ولِحْيانِـيٌّ، ورَقَبانِـيٌّ إِذا خُصَّ بكثرة الشعر، وطول اللِّحْيَة، وغِلَظِ الرَّقبةِ؛
(لسان العرب)
والرَّبِّـيُّ: منسوب إِلى الرَّبِّ.
والرَّبَّانِـيُّ: الموصوف بعلم الرَّبِّ. ابن الأَعرابي: الرَّبَّانِـيُّ العالم الـمُعَلِّم، الذي يَغْذُو الناسَ بِصغارِ العلم قبلَ كِـبارها.
وقال محمد بن عليّ ابن الحنفية لَـمّا ماتَ عبدُاللّه بن عباس، رضي اللّه عنهما: اليومَ ماتَ رَبّانِـيُّ هذه الأُمـَّة.
ورُوي عن علي، رضي اللّه عنه، أَنه قال: الناسُ ثلاثةٌ: عالِـمٌ ربَّانيٌّ، ومُتَعَلِّمٌ على سَبيلِ نَجاةٍ، وهَمَجٌ رَعاعٌ أَتْباعُ كلِّ ناعق. قال ابن الأَثير: هو منسوب إِلى الرَّبِّ، بزيادة الأَلف والنون للمبالغة؛ قال وقيل: هو من الرَّبِّ، بمعنى التربيةِ، كانوا يُرَبُّونَ الـمُتَعَلِّمينَ بِصغار العُلوم، قبلَ كبارِها.
والرَّبَّانِـيُّ: العالم الرَّاسِخُ في العِلم والدين، أَو الذي يَطْلُب بِعلْمِه وجهَ اللّهِ، وقيل: العالِم، العامِلُ، الـمُعَلِّمُ؛ وقيل: الرَّبَّانِـيُّ: العالي الدَّرجةِ في العِلمِ. قال أَبو عبيد: سمعت رجلاً عالماً بالكُتب يقول: الرَّبَّانِـيُّون العُلَماءُ بالـحَلال والـحَرام، والأَمْرِ والنَّهْي. قال: والأَحبارُ أَهلُ المعرفة بأَنْباءِ الأُمَم، وبما كان ويكون؛ قال أَبو عبيد: وأَحْسَب الكلمَة ليست بعربية، إِنما هي عِـبْرانية أَو سُرْيانية؛ (لسان العرب).
العلوم الربانية:
العلم الشرعي قسمه الفقهاء إلى قسمين إلى فقه الكبير والفقه الأكبر، فما تعلق بالحلال والحرام والأحكام والتشريع أطلقوا عليه اسم الفقه الكبير، وما تعلق بالله جل جلاله سموه الفقه الأكبر.
تقول الموسوعة الفقهية الكويتية:
” – أصول العلوم :
17 – كثيراً ما يضاف لفظ ( الأصول ) إلى أسماء العلوم ، ويراد به حينئذٍ القواعد العامّة الّتي يتبعها أصحاب ذلك العلم في دراسته ، والّتي تحكم طرق البحث والاستنباط في ذلك العلم . وقد تكون تلك الأصول علماً مستقلاًّ .
فمن ذلك أصول التّفسير ، وأصول الحديث ، وأصول الفقه .
أمّا ( أصول الدّين ) – ويسمّى أيضاً علم العقائد ، وعلم الكلام ، والفقه الأكبر – فليس من هذا الباب ، بل هو – كما قال صاحب كشف الظّنون – : ( علمٌ يقتدر به على إثبات العقائد الدّينيّة بإيراد الحجج عليها ، ودفع الشّبه عنها ) . وسمّي أصولاً لا من حيث إنّه قواعد استنباطٍ ودراسةٍ ، بل من حيث إنّ الدّين يبتني عليه ، فإنّ الإيمان باللّه تعالى أساس الإسلام بفروعه المختلفة “.
والعلم بالله هو خمسة فروع:
1- العلم بالذات الربانية وما ينسبه القرآن لها، أو صحيح السنة، والأحاديث القدسية؛
2- العلم بالأسماء والصفات ومنها الأسماء الحسنى والصفات العلى؛ وهذا بحر من العلوم المستنبطة من القرآن الكريم؛
3- العلم بأفعال الله جل جلاله وهي ما يطلق عليها أيضا سنة الله أو السنن الإلهية؛ فالله سبحانه وتعالى قوله فعل، وفعله قول؛
4- العلم بما يجوز في حقه تعالى؛
5- العلم بما يستحيل عليه سبحانه وتعالى.
وفي كل هذه الأبواب ينبغي الابتعاد عما جاء به الفلاسفة من الأقوال، ولا يعتمد فيها إلا صحيح الكتاب والسنة.
ويمضي الصوفية أهل المعارف الربانية على تقسيم العلماء قسمين علماء الشريعة وعلماء الحقيقة.
وعلماء الشريعة قد يسمونهم علماء الأوراق، بينما علماء الحقيقة يسمونهم علماء الأذواق.
والراسخون في العلم من جمع بين علوم الشريعة وعلوم الحقيقة؛ أما أولو الألباب في القرآن الكريم تطلق على أهل التذكر والتدبر في آيات الله الكونية والقرآنية.
وللربانيين بصفة عامة تحدث نقلة نوعية تتجلى في حياة الروح وفي حياة حواسها من سمع وبصر وفؤاد؛
“ومن فضل الله أنه جعل للعقل حاسة باطنة من وظيفتها أنها تدرك دلالة الكائنات على الله، أي ندرك صفات الخالق تعالى في الخلق:
آثار قدرته؛ وآثار علمه، وحكمته، وآثار رحمته وبره، وكرمه، وإحسانه، ووده، وعدله، وما له سبحانه من صفات…فإذا استطاع الإنسان أن يتبين آثار هذه الصفات القدسية انتقلت صورها فورا إلى القلب.
إذا انتقلت إلى القلب واحتواها الضميرمحقت ما به من خواطر الحس، وبادرت مشاعر القلب، وأشواقه فتعلقت بها وصار ضمير الإنسان -أي قلبه- حافلابوجدانات كريمة عليا تمثل معاني البر، والرحمة، والكرم، والود، والإحسان، والحكمة والعدل وغيرها من الصفاته -جل جلاله- فيتطهر ضميره -أي قلبه -من عقد الكراهية، والشح، والاصفات الخبيثة وهيمنت الوجدانات الربانية على إرادته وأخذت تلح عليه أن يحقق مفهومهافي ظاهر الحياة: برا ورحمة وودا وسلوكاحسناومعاملات فاضلة.” (تذكرة الدعاة للبهي الخولي ص 153)
وما نقلته هنا عن البهي الخولي رحمه الله؛ هو ما يؤكده ابن عطاء الله السكندري في حكمه:
11- ما نفع القلب مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة.
12- كيف يشرق قلب صور الأكوان منطبعة في مرآته، أم كيف يرحل إلى الله و هو مكبل بشهواته، أم كيف يطمع أن يدخل حضرة الله و لم يتطهر من جنابة غفلاته، أم كيف يرجو أن يفهم دقائق الأسرار و هو لم يتب من هفواته.
13- الكون كله ظلمة، وإنما أناره وجود الحق فيه، فمن رأى الكون و لم يشهده فيه، أو عنده، أو قبله أو بعده، فقد أعوزه وجود الأنوار، و حجبت عنه شموس المعارف بسحب الآثار .
27- شتان بين ما يستدل به و ما يستدل عليه، و المستدل به عرف الحق لأهله فأثبت الأمر من وجود أصله، و الاستدلال عليه من عدم الوصول إليه، و إلا فمتى غاب حتى يستدل عليه، و متى بعد حتى تكون الآثار هي التي توصل إليه.
35- شعاع البصيرة يشهدك قربه منك، و عين البصيرة تشهدك عدمك لوجوده، و حق البصيرة يشهدك وجوده، لا عدمك ولا وجودك.
190- متى وردت الواردات إليك، هدمت العوائد عليك، إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها.
وإذا ما حييت الروح وحواسها تمكن المرء من إدراك الفيوضات الربانية وما يفيء به على العبد من عطاء وتكريم، تزيد المرء علما وفهما وحكمة… وهذا مجال يتطلب المجلدات ولا تكفي فيه الإشارات، منها ويمده الله بفيض من التكريم:
1- الرؤية الصادقة؛
الرّؤيا على وزن فعلى ما يراه الإنسان في منامه،/ والرؤيا الرّؤيا الصّالحة حالة شريفة ومنزلة رفيعة كما ذكر القرطبيّ ، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : »لم يبق من مبشّرات النّبوّة إلاّ الرّؤيا الصّالحة يراها المسلم الصّالح أو ترى له«.
والحلم والرّؤيا وإن كان كلّ منهما يحدث في النّوم إلاّ أنّ الرّؤيا اسم للمحبوب فلذلك تضاف إلى اللّه سبحانه وتعالى ، والحلم اسم للمكروه فيضاف إلى الشّيطان لقوله صلى الله عليه وسلم : »الرّؤيا من اللّه ، والحلم من الشّيطان «، وقال عيسى بن دينارٍ : الرّؤيا رؤية ما يتأوّل على الخير والأمر الّذي يسرّ به ، والحلم هو الأمر الفظيع المجهول يريه الشّيطان للمؤمن ليحزنه وليكدّر عيشه . (الموسوعة الفقهية الكويتية)
2- الإلهام:
الإلهام :
الإلهام في اللّغة : تلقين اللّه سبحانه وتعالى الخير لعبده ، أو إلقاؤه في روعه .
وفي الاصطلاح : إيقاع شيءٍ يطمئنّ له الصّدر يخصّ به اللّه سبحانه بعض أصفيائه . وتفصيل ذلك في مصطلح : ( إلهام ) .
والفرق بين الرّؤيا والإلهام أنّ الإلهام يكون في اليقظة ، بخلاف الرّؤيا فإنّها لا تكون إلاّ في النّوم …
“الخاطر هو المرتبة الثّانية من مراتب حديث النّفس ، ومعناه في اللّغة ما يخطر في القلب من تدبير أمرٍ ، وفي الاصطلاح ما يرد على القلب من الخطاب أو الوارد الّذي لا عمل للعبد فيه ، والخاطر غالباً يكون في اليقظة بخلاف الرّؤيا ” (الموسوعة الفقهية الكويتية).
3- الفراسة:
تعريف الفراسة
قواعد الفقه ج: 1 ص: 408 الفراسة ثم بالكسر اسم من تفرس وهي الإستدلال بالأمور الظاهرة على الأمور الخفية وأيضا هي ما يقع في القلب بغير نظر وحجة ومنه قوله عليه السلام[اتقوا من فراسة المؤمن]
4- الكشف؛
الكشف في اللّغة : هو الإظهار ، ورفع شيء عمّا يواريه ويغطّيه ، يقال : كشفه فانكشف . والتّكشّف من تكشّف أي ظهر ، كانكشف . والحال معروف المعنى. وأصله في قوله تعالى وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران : 49]
5- الكرامة،
ما يكرم به الله عباده الصالحين، وهي أنواع تتعدد. ومنها ماجرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مما يخبر عنه الحديث التالي : [ – كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال إنكم إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا وانطلق سرعان الناس يريدون الماء ولزمت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمالت برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعمته فادعم ثم مال فدعمته فادعم ثم مال حتى كاد أن ينجفل عن راحلته فدعمته فانتبه فقال من الرجل قلت أبو قتادة قال مذ كم كان مسيرك قلت منذ الليلة قال حفظك الله كما حفظت رسوله ثم قال لو عرسنا فمال إلى شجرة فنزل فقال انظر هل ترى أحدا قلت هذا راكب هذا راكبان حتى بلغ سبعة فقلنا احفظوا علينا صلاتنا فنمنا فما أيقظنا إلا حر الشمس فانتبهنا فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار وسرنا هنيهة ثم نزل فقال أمعكم ماء قال قلت نعم معي ميضأة فيها شيء من ماء قال ائت بها فأتيته بها فقال مسوا منها مسوا منها فتوضأ القوم وبقيت جرعة فقال ازدهر بها يا أبا قتادة فإنه سيكون لها نبأ ثم أذن بلال وصلوا الركعتين قبل الفجر ثم صلوا الفجر ثم ركب وركبنا فقال بعضهم لبعض فرطنا في صلاتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تقولون إن كان أمر دنياكم فشأنكم وإن كان أمر دينكم فإلي قلنا يا رسول الله فرطنا في صلاتنا فقال لا تفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة فإذا كان ذلك فصلوها ومن الغد وقتها ثم قال ظنوا بالقوم قالوا إنك قلت بالأمس إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا فالناس بالماء فقال أصبح الناس وقد فقدوا نبيهم فقال بعضهم لبعض إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء وفي القوم أبو بكر وعمر فقالا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويخلفكم وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا قالها ثلاثا فلما اشتدت الظهيرة رفع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله هلكنا عطشا تقطعت الأعناق فقال لا هلك عليكم ثم قال يا أبا قتادة ائت بالميضأة فأتيته بها فقال احلل لي غمري يعني قدحه فحللته فأتيته به فجعل يصب فيه ويسقي الناس فازدحم الناس عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس أحسنوا الملء فكلكم يصدر عن ري فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم فصب لي فقال اشرب يا أبا قتادة قال قلت اشرب أنت يا رسول الله قال إن ساقي القوم آخرهم فشربت وشرب بعدي وبقي في الميضأة نحو مما كان فيها وهم يومئذ ثلاثمئة]
الراوي: أبو قتادة الأنصاري المحدث: الألباني – المصدر: السلسلة الصحيحة – الصفحة أو الرقم: 5/265
خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح على شرط مسلم.
وهذا غيض من فيض : ” التبرك” من كلام الموسوعة الفقهية كويتية.
تبرّك *
التّعريف :
1 – التّبرّك لغةً : طلب البركة ، والبركة هي : النّماء والزّيادة ، والتّبريك : الدّعاء للإنسان بالبركة . وبارك اللّه الشّيء وبارك فيه وعليه : وضع فيه البركة ، وفي التّنزيل : { وهذا كتابٌ أَنزلْناه مبارَك } وتبرّكت به تيمّنت به . قال الرّاغب الأصفهانيّ : البركة ثبوت الخير الإلهيّ في الشّيء . قال تعالى : { ولو أنَّ أهلَ القرى آمنوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عليهم بركاتٍ من السّماء والأرض } { وهذا ذِكْر مبارك أنزلناه } تنبيهاً على ما يفيض به من الخيرات الإلهيّة . وعلى هذا فالمعنى الاصطلاحيّ للتّبرّك هو : طلب ثبوت الخير الإلهيّ في الشّيء .
[وأقول : يا ليت قومي يعلمون ويغوصون في بحر هذه الدلالات ليلمسوا أسرار القرآن، ويتجاوبون مع روحه؛ ألم تقرأ قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى : 52]
ما النور؟ وما الهداية ؟ وكيفية ذلك؛ مجال رحب لأولي الأباب؛ فهل من داخل للحمى؟]
الألفاظ ذات الصّلة :
أ – التّوسّل :
2 – التّوسّل لغةً : التّقرّب . يقال : توسّل العبد إلى ربّه بوسيلة إذا تقرّب إليه بعمل .
وفي التّنزيل : { وابْتَغُوا إليه الوسيلةَ } .
ب – الشّفاعة :
3 – الشّفاعة : لغةً من مادّة شفع ، ويقال : استشفعت به : طلبت منه الشّفاعة . وقال الرّاغب الأصفهانيّ : الشّفاعة الانضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه ، وشفّع وتشفّع : طلب الشّفاعة ، والشّفاعة : كلام الشّفيع للملك في حاجة يسألها لغيره ، والشّافع : الطّالب لغيره ، وشفع إليه في معنى : طلب إليه قضاء حاجة المشفوع له .
وفي الاصطلاح : الضّراعة والسّؤال في التّجاوز عن ذنوب المشفوع له أو قضاء حاجته .
[وأضيف كم قرأت لعمي البصيرة الجدل في هذا المجال، ويستدلون بقوله تعالى {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة : 255] وهم في ذلك في غفلة عن رؤية متكاملة للقرآن وكأنهم لم يقرأوا قوله تعالى : {مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً} [النساء : 85]
ج – الاستغاثة :
4 – الاستغاثة لغةً : طلب الغوث ، وفي التّنزيل : { إذْ تستغيثون ربَّكم } وأغاثه إغاثةً : إذا أعانة ونصره ، فهو مغيث ، وأغاثهم اللّه برحمته : كشف شدّتهم .
الحكم التّكليفيّ :
التّبرّك مشروع في الجملة على التّفصيل التّالي :
1 – التّبرّك بالبسملة والحَمْدَلَة :
5 – ذهب بعض أهل العلم إلى سنّيّة ابتداء كلّ أمر ذي بال يهتمّ به شرعاً – بحيث لا يكون محرّماً لذاته ، ولا مكروهاً لذاته ، ولا من سفاسف الأمور ومحقّراتها – بالبسملة والحمدلة ، كلّ في موضعه على سبيل التّبرّك .
وجرى العلماء في افتتاح كلماتهم وخطبهم ومؤلّفاتهم وكلّ أعمالهم المهمّة بالبسملة عملاً بما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم اللّه فهو أبتر أو أقطع أو أجذم » وفي رواية أخرى : « كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد للّه فهو أبتر أو أقطع أو أجذم » ومن هذا الباب الإتيان بالبسملة عند الأكل ، والشّرب ، والجماع ، والاغتسال ، والوضوء ، والتّلاوة ، والتّيمّم ، والرّكوب والنّزول وما إلى ذلك .
[ وهذا تبرك بالقرآن]
– 2 – التّبرّك بآثار النّبيّ صلى الله عليه وسلم :
6 – اتّفق العلماء على مشروعيّة التّبرّك بآثار النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأورد علماء السّيرة والشّمائل والحديث أخباراً كثيرةً تمثّل تبرّك الصّحابة الكرام رضي الله عنهم بأنواع متعدّدة من آثاره صلى الله عليه وسلم نجملها فيما يأتي :
أ – في وضوئه :
7 – « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه » ، لفرط حرصهم على التّبرّك بما مسّه صلى الله عليه وسلم ببدنه الشّريف ، وكان من لم يصب من وضوئه يأخذ من بلل يد صاحبه .
ب – في ريقه ونخامته :
8 – « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يبصق بصاقاً ولا يتنخّم نخامةً إلاّ تلقّوها ، وأخذوها من الهواء ، ووقعت في كفّ رجل منهم ، فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم ، ومسحوا بها جلودهم وأعضاءهم تبرّكاً بها » . « وكان يتفل في أفواه الأطفال ، ويمجّ ريقه في الأيادي ، وكان يمضغ الطّعام فيمجّه في فم الشّخص » ، « وكان الصّحابة يأتون بأطفالهم ليحنّكهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجاء البركة » .
ج – في دمه صلى الله عليه وسلم :
9 – ثبت أنّ بعض الصّحابة شربوا دمه صلى الله عليه وسلم على سبيل التّبرّك ، فعن عبد اللّه بن الزّبير رضي الله عنه « أنّه أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم ، فلمّا فرغ قال : يا عبد اللّه اذهب بهذا الدّم فأهرقه حيث لا يراك أحد فشربه ، فلمّا رجع ، قال : يا عبد اللّه ما صنعت ؟ قال : جعلته في أخفى مكان علمت أنّه مخفيّ عن النّاس ، قال : لعلّك شربته ؟ قلت : نعم . قال : ويل للنّاس منك ، وويل لك من النّاس » فكانوا يرون أنّ القوّة الّتي به من ذلك الدّم . وفي رواية « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال له : من خالط دمه دمي لم تمسّه النّار » .
د – في شعره صلى الله عليه وسلم :
10 – « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوزّع شعره بين الصّحابة عندما يحلق رأسه الشّريف » ، وكان الصّحابة رضي الله عنهم يحرصون على أن يحصّلوا شيئاً من شعره صلى الله عليه وسلم ويحافظون على ما يصل إلى أيديهم منه للتّبرّك به . فعن أنس رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أتى منًى فأتى الجمرة فرماها ثمّ أتى منزله بمنًى ونحر ، ثمّ قال : للحلّاق : خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثمّ الأيسر ، ثمّ جعل يعطيه النّاس » .
وفي رواية : « لمّا رمى الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحلّاق شقّه الأيمن ، فحلقه ، ثمّ دعا أبا طلحة الأنصاريّ رضي الله عنه فأعطاه إيّاه ، ثمّ ناوله الشّقّ الأيسر فقال : احلق ، فحلقه ، فأعطاه أبا طلحة ، فقال : اقسمه بين النّاس » . وفي رواية : « فبدأ بالشّقّ الأيمن فوزّعه الشّعرة والشّعرتين بين النّاس ، ثمّ قال بالأيسر فصنع به مثل ذلك » .
وروي « أنّ خالد بن الوليد رضي الله عنه : فقد قلنسوةً له يوم اليرموك ، فطلبها حتّى وجدها ، وقال : اعتمر رسول اللّه فحلق رأسه فابتدر النّاس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة ، فلم أشهد قتالاً وهي معي إلاّ رزقت النّصر » .
وعن أنس رضي الله عنه قال : « لقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والحلّاق يحلقه وأطاف به أصحابه ، فما يريدون أن تقع شعرة إلاّ في يد رجل » .
هـ – في سؤره وطعامه صلى الله عليه وسلم :
11 – ثبت أنّ الصّحابة رضي الله عنهم كانوا يتنافسون في سؤره صلى الله عليه وسلم ليحوز كلّ واحد منهم البركة الّتي حلّت في الطّعام أو الشّراب من قبل الرّسول صلى الله عليه وسلم . فعن سهل بن سعد رضي الله عنه : « أنّ رسول اللّه أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام ، وعن يساره الأشياخ فقال للغلام : أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟ فقال الغلام : – وهو ابن عبّاس رضي الله عنهما – : واللّه يا رسول اللّه لا أوثر بنصيبي منك أحداً ، فتلّه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في يده » .
وعن عميرة بنت مسعود رضي الله عنها : « أنّها دخلت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم هي وأخواتها يبايعنه ، وهنّ خمس ، فوجدته يأكل قديده ، فمضغ لهنّ قديدةً ، ثمّ ناولني القديدة ، فمضغتها كلّ واحدة قطعةً قطعةً ، فلقين اللّه وما وجد لأفواههنّ خلوف » . وفي حديث خنس بن عقيل : « سقاني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم شربةً من سويق شرب أوّلها وشربت آخرها ، فما برحت أجد شبعها إذا جعت ، وريّها إذا عطشت ، وبردها إذا ظمئت » .
و – في أظافره صلى الله عليه وسلم :
12 – ثبت أنّه صلى الله عليه وسلم قلّم أظافره ، وقسمها بين النّاس للتّبرّك بها ، فقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله ، من حديث محمّد بن زيد أنّ أباه حدّثه : « أنّه شهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم على المنحر ورجلاً من قريش ، وهو يقسم أضاحيّ ، فلم يصبه منها شيء ولا صاحبه ، فحلق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه ، فأعطاه فقسم منه على رجال ، وقلّم أظافره فأعطاه صاحبه » . وفي رواية « ثمّ قلّم أظافره وقسمها بين النّاس » .
ز – في لباسه صلى الله عليه وسلم وأوانيه :
13 – ثبت كذلك أنّ الصّحابة رضي الله عنهم كانوا يحرصون على اقتناء ملابسه وأوانيه للتّبرّك بها والاستشفاء . فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : « أنّها أخرجت جبّةً طيالسةً وقالت : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها » . وفي رواية : « فنحن نغسلها نستشفي بها » .
وروي عن أبي محمّد الباجيّ قال : « كانت عندنا قصعة من قصاع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فكنّا نجعل فيها الماء للمرضى ، يستشفون بها ، فيشفون بها » .
ح – في ما لمسه صلى الله عليه وسلم ومصلّاه :
14 – كان الصّحابة رضي الله عنهم يتبرّكون فيما تلمس يده الشّريفة صلى الله عليه وسلم . ومن ذلك « بركة يده فيما لمسه وغرسه لسلمان رضي الله عنه حين كاتبه مواليه على ثلثمائة ودية وهو صغار النّخل يغرسها لهم كلّها ، تعلّق وتطعم ، وعلى أربعين أوقيّة من ذهب ، فقام صلى الله عليه وسلم وغرسها له بيده ، إلاّ واحدةً غرسها غيره ، فأخذت كلّها إلاّ تلك الواحدة ، فقلعها النّبيّ صلى الله عليه وسلم وردّها فأخذت » وفي رواية : « فأطعم النّخل من عامه إلاّ الواحدة ، فقلعها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وغرسها فأطعمت من عامها ، وأعطاه مثل بيضة الدّجاجة من ذهب ، بعد أن أدارها على لسانه ، فوزن منها لمواليه أربعين أوقيّة ، وبقي عنده مثل ما أعطاهم » .
« ووضع يده الشّريفة صلى الله عليه وسلم على رأس حنظلة بن حذيم وبرّك عليه ، فكان حنظلة يؤتى بالرّجل قد ورم وجهه ، والشّاة قد ورم ضرعها ، فيوضع على موضع كفّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيذهب الورم » .
« وكان يؤتى إليه صلى الله عليه وسلم بالمرضى وأصحاب العاهات والمجانين فيمسح عليهم بيده الشّريفة صلى الله عليه وسلم فيزول ما بهم من مرض وجنون وعاهة » .
وكذلك كانوا يحرصون على أن يصلّي النّبيّ صلى الله عليه وسلم في مكان من بيوتهم ، ليتّخذوه مصلًّى لهم بعد ذلك ، وتحصل لهم بركة النّبيّ صلى الله عليه وسلم . فعن عتبان بن مالك رضي الله عنه – وهو ممّن شهد بدراً – قال : « كنت أصلّي لقومي بني سالم ، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار ، فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم ، فجئت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلت له : إنّي أنكرت بصري ، وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه ، فوددت أنّك تأتي فتصلّي في بيتي مكاناً أتّخذه مصلًّى ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : سأفعل إن شاء اللّه فغدا عليّ رسول اللّه وأبو بكر رضي الله عنه بعدما اشتدّ النّهار ، واستأذن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأذنت له ، فلم يجلس حتّى قال : أين تحبّ أن أصلّي من بيتك ؟ فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن يصلّي فيه ، فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم ، وسلّمنا حين سلّم » . span>
– 3 – التّبرّك بماء زمزم :
15 – ذهب العلماء إلى سنّيّة شرب ماء زمزم لمطلوبه في الدّنيا والآخرة ، لأنّها مباركة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « ماء زمزم لما شرب له » .